لم أكن في البحرين في السنة التي وقعت فيها كارثة الطائرة، في رحلة «طيران الخليج» العائدة من القاهرة، حين مات في ومضة عين العشرات من مواطني البحرين ممن كانوا على متن تلك الرحلة المشؤومة، لكن ما سمعته وقرأته عما أظهره أهل البحرين من تآزر وتوحد غدا أمثولة للطبع السوي لدى الناس على هذه الأرض، التي استوعبت دائماً ما فوقها من تنوع وتعدد، وجعلت منه نسيجاً إنسانيا واحداً، يعبر عن نفسه لا في لحظات المحنة وحدها، وإنما في تفاصيل الحياة اليومية أيضاً في إيقاعها العادي والمألوف.
أتذكر هذا الآن والبحرين تعيش محنة ذوي الشابات الست اللواتي قضين في حادث مفجع، وهن جميعهن في عمر الزهور، وتشاء الظروف أن يحدث هذا في اللحظة المحتقنة سياسياً واجتماعياً التي نعيشها، ليضعنا ذلك أمام اختبار فطرتنا السوية في العلاقة مع محنة إنسانية مؤلمة.
وقد قرأت على مواقع التواصل الاجتماعي بعض التعبيرات غير اللائقة التي لا يمكن أن تعبر عن حس إنساني سليم في العلاقة مع حُرمة الموت وآلام الناس وأحزانهم، في لحظة يفترض فيها أن يتكثف لدى المرء كل ما في داخله من مشاعر وأحاسيس نبيلة تجاه محنة غيره من البشر، خاصة إذا كانوا يقاسمونه العيش المشترك والانتماء إلى وطن واحد، هو للجميع.
لذلك لن نتوقف عند هذه التعبيرات المَرضية ليقيننا أنها لا تعكس الروح الأصيلة والمعدن النبيل لأبناء وبنات هذا الوطن، وإنما نتوقف أمام تعبيرات الحزن والمواساة الصادقة التي قرأناها وسمعناها من الأفراد الذين ينتمون لكافة مكونات هذا المجتمع، الذين أظهروا برهافة أحاسيسهم وصدقها أن شعب البحرين جسم واحد تتداعى سائر أطرافه بالألم حين يُصيب طرف فيه مكروه.
والحق أن مجتمعنا كان أمام هذا الاختبار الصعب طوال الأزمة التي مررنا بها ومازلنا نجر ذيولها حتى هذه الساعة، حين يتعين الفصل بين ما هو سياسي أو خلافي وما هو إنساني بحت، فبوسع الناس أن يختلفوا ما شاء لهم أن يختلفوا حول مسألة أو مسائل، ولكن في غمرة هذا الاختلاف عليهم ألا ينسوا ولو للحظة أن المعاناة الإنسانية لأي فرد أو أسرة أو جماعة من الجماعات هي عبء أخلاقي للمجتمع كله، عليه أن يظهر تعاطفه معها، وأن يتجرد من الحساب السياسي أو الفئوي الضيق، لأنه، في بعض حالاته، يعيدنا إلى ما هو غريزي، سابق للأنسنة التي بلغها البشر، حين يجد تعبيراته في مشاعر غير صحية من قبيل التشفي والانتقام.
ونحن نعبر عن أسانا الشديد لرحيل الفتيات الست في هذا الحادث المؤلم، الذي آلمنا جميعاً، فإننا لا نتوجه بمشاعر المواساة والتعزية لذويهن فقط،,إنما لأنفسنا أيضاً، أعني لكل بحريني وبحرينية، الذين أظهروا في غالبيتهم الساحقة صدق تعاطفهم، وامتعضوا، في غالبيتهم الساحقة أيضاً، من بعض التعبيرات المسيئة التي يدركون بسوية فطرتهم أنها لا تعبر عن الوجدان الجمعي لهذا الشعب، الذي يملك من الطاقات والخبرات ما يجعله قادراً ليس على التوحد في لحظة المحنة الإنسانية، وإنما يؤهله لأن يدفع بوطنه على أن يجتاز المحنة الأكبر.