الحديث عن تعدد الهويات وتنوعها في مجتمعات الخليج العربي، بما فيها مجتمعنا البحريني، ليس جديداً، ولكن من شأن الاستقطابات الاجتماعية والسياسية التي تفاقمت طوال الشهور الماضية أن تسلط الضوء مجدداً على هذا التنوع، لا برغبة تمجيده أو تعظيم أهميته، وسيلة لحجب أو طمس المشتركات بين أصحاب هذه الهويات، وهذه غاية الكثيرين اليوم، وإنما برغبة فهمه، من أجل تحويل هذا المعطى الموضوعي الى عامل إيجابي، وليس من أجل استثماره في توسيع شقة الخلاف وتعميق الفُرقة.
سبق لنا منذ عدة سنوات، أن توقفنا هنا أمام بحث للدكتور علي أسعد وطفة عن «نسق الانتماء الاجتماعي وأولوياته في المجتمع الكويتي المعاصر: مقاربة سوسيولوجية في جدول الانتماءات الاجتماعية واتجاهاتها»، الذي وجدته بحثاً مُهماً من زاوية تتخطى الكويت كمجتمع وبلد، فرأينا في منهجه وخلاصاته ما يعين على فهم التحولات في مفهوم الانتماء والهوية في المجتمعات الخليجية خاصة وفي المجتمعات العربية عامة.
يلاحظ الباحث أن دراسته بينت وجود فروق دالة إحصائياً للانتماء الديني من الذكور، وإن الذكور أكثر حماسة للقبيلة والوطن من الإناث، وأن أبناء محافظات بعينها (الجهراء والأحمدي) بدوا أكثر حماسة للقبيلة من أبناء محافظات أخرى (حولي والعاصمة)، ولإجراء المزيد من التشخيصات المشابهة عن واقع الحال في المجتمعات الخليجية الأخرى يتعين إجراء دراسات ميدانية كتلك التي قام بها الدكتور وطفة.
لكن ما هو جوهري في الأمر وجود هويات، أو فلنقل انتماءات توخياً للدقة، متعددة للفرد الواحد وبالتالي للفئات الاجتماعية المختلفة، وفي حال كهذه يتعين «على السياسيين العمل على دمج هذه الانتماءات المتنوعة من أجل الوصول إلى هوية مشتركة تمثل مصالح الجماعة بانتماءاتها المختلفة»، وهذا ما وجدنا تجليات بالغة له في نتيجة تداعيات الأزمة التي تعيشها البحرين اليوم، ذلك أن الهوية المشتركة لا تعني إزالة الانتماءات الفرعية أو الجانبية، لأنها في ظروف مجتمعاتنا اليوم انتماءات ذات طبيعة ثقافية راسخة في طبقات الوجدان بحيث يستحيل إزالتها بقرار أو برغبة.
والأمر ناشئ، من بين عوامل أخرى، إلى حقيقة تعايش بنى اجتماعية مختلفة أو متنوعة في المجتمع الواحد، ينتسب بعضها إلى مراحل تاريخية سابقة، وقد تضعف بعض هذه البنى أو تتآكل صلابتها في الواقع، لكن تأثيرها، بوصفها مكونات ثقافية، يظل وطيداً وقوياً وفعالاً في الأذهان، وبالتالي فإنها قادرة على الاستمرار في تقديم هوياتها الثقافية الفرعية متحاشية الانصهار في بوتقة واحدة داخل المجتمع.
في البحث المشار اليه ينبهنا الباحث إلى رأي للأستاذ قيس النوري يؤكد فيه على أهمية الديمقراطية في مجتمع التعددية، وعلى قدرتها الكبيرة في تحقيق التواصل والتكامل بنيوياً ووظيفياً، فالمجتمعات التي تتنوع تكويناتها الاجتماعية تقتضي ديمقراطية ناضجة يمكنها أن تعني بالتعدد الثقافي وما يقترن به من تنوعات اجتماعية وفكرية.
وهذا يفسر لنا ولو إلى حد معين انتعاش الانتماءات الفرعية أو الجانبية خاصة في فترات الأزمات والاحتقانات الاجتماعية وطغيانها على حالة الانتماء للدولة، فيما مهمة الدولة أن توسع قاعدتها الاجتماعية ونطاق تمثيلها لتغطي مساحة بمساحة المجتمع كله، بحيث لا تعود أي فئة أو مجموعة مسكونة بالشعور بأنها خارج هذا التمثيل.
حرر في 26 فبراير 2012