المنشور

الكويت..نتائج انتخابات أكثر استعصاءً


هل أزفت لحظة استحقاق التغيير في دولة الكويت؟

نعم هو كذلك، فان الذي لاشك فيه ان ارهاصات الحراك الشعبي الكويتي الذي انطلق تزامنا مع الحراك الشبابي العربي الذي ذاعت شهرته فيما بعد باسم الربيع العربي، والذي تصاعدت موجته وصولا الى حالة استعصائه المعروفة والذي أُريد للانتخابات البرلمانية التي أُجريت فيها مؤخرا، ان تكون جسرا لعبور حالة الشحن والتأزم السياسي التي سيطرت على الكويت طوال العام الماضي ومطلع العام الجديد – كلها ارهاصات لمؤشرات التغيير الاستحقاقي المنتظر.

فليست الكويت، ولا أية دولة خليجية أو عربية، استثناءً من ذلك الحراك الشعبي العارم، الشبابي في جوهره. فجميع بلادنا العربية ليست محصنة ضد “فيروس” ربيع الشباب العربي، وما عليكم سوى القاء نظرة فاحصة على الحراك الهائل والجسور لشبكات التواصل الاجتماعي، الذي لا يقتصر على دولة دون سواها، حتى تتيقنوا بأن ما كان قبل مطلع عام 2011 لن يكون بعده.

ولعل التغيير في هيكلية صناعة القرار السيادي في دولة الكويت والذي استدعاه الحراك الشعبي المتصاعد توازيا مع انتشار رائحة آفة الفساد التي ازكمت الانوف، سوف يراوح حول مطلب المعارضة بتفعيل وتجسيد المادة السادسة من الدستور الكويتي التي تنص على أن “نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر للسلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور”.. فالمعارضة الكويتية ترى انه قد حان الوقت – بالنسبة لها على الأقل – لتجاوز الهيكيلية السياسية لما بعد الاستقلال في صناعة القرار الكلي، بما يعني تطلعها للمشاركة الفعلية والمباشرة في هرم سلطة صناعة القرار. وهي تستهدف على ما هو واضح، منصب رئاسة الوزراء، وذلك برسم الهجمات الشرسة المنظمة والمنسقة التي رتبتها المعارضة على مدى العام المنصرم والتي تناوب عليها نواب المعارضة في البرلمان الكويتي والاعلام بأنواعه المختلفة، الى ان توجت حملة احتجاجاتها بسحب رئيس الوزراء من ذروة دورة التجاذبات بينها وبين الحكومة وحل مجلس الأمة والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة نجحت على اثرها في الفوز بغالبية مقاعد المجلس.

ولكن وبرغم ما تعتقده المعارضة من أنها أصبحت بعد النجاح الواضح الذي حققته في الانتخابات الاخيرة، في موقف أقوى مما كانت عليه قبل حل البرلمان مما يضعها في موقف تفاوضي مريح لحصد ما تطمح اليه من مكاسب ومغانم، فان ميزان القوى بين الطرفين، وان بدا مائلا بصورة واضحة لصالحها، لن يمكنها على الأرجح من الحصول على مبتغاها وهو رئاسة  الوزراء، بل وحتى منصب النائب الأول لرئيس الوزراء الذي يمكن أن يصبح موضع مساومات، لا يبدو ان الحكومة مستعدة، في الوقت الراهن على الأقل، وحسبما هو ظاهر، للتنازل عنه لصالح المعارضة، ولكنها مستعدة على الأرجح لاعطاء المعارضة نيابة مجلس الوزراء (وليس النائب الأول)، وهو منصب كان متاحا لها في السابق على أية حال.

انما الحديث عن المعارضة الكويتية يستدعي بحد ذاته جدلا تشخيصيا متفاوتا حول ماهية وبنية وتوجهات المكونات التي تنتظمها. فنحن أمام هجين عجيب في عدم تجانسه وعدم تماسكه الداخلي، من حيث تشكله من “خلطات” ذات مرجعيات متضادة بعضها سلفي وبعضها الآخر اخواني، وبعضها قومي وآخر ليبرالي، ليس بينها جامع سوى كسر احتكار السلطة المسئول واقعا وبما لا يدع مجالا للشك عن تغول الفساد ووصوله الى مستويات مخيفة وتسلله الى كافة مناحي الحياة الاقتصادية والادارية بما في ذلك السلطة التشريعية نفسها وعدد غير محصور من أعضائها الذين ذهبت شهرتهم وذاع صيتهم تحت مسمى “النواب القبيضة”.

وتدقيقا للقول ورفعا لأي لبس، نبادر الى الايضاح بأن هذا الائتلاف الواسع غير المتجانس الذي يطلق عليه مجازا توصيف المعارضة، وان ابتغى محاكاة ثورات التغيير التي أطلق شرارتها الشباب العربي الغاضب، الا أن أفقه في التغيير يبقى محدودا للغاية، بحدود الاطار العريض لمطلب مكافحة الفساد. وبهذا المعنى فان من غير الموضوعي اعتباره ائتلافا للتغيير التقدمي الماثل في جوهر محتوى المطالب الشبابية للتغيير الوطني. بل ربما كان العكس صحيحا، من حيث ان بعض مكونات ذلكم الائتلاف لا ينتمي للربيع العربي بأي شكل من الأشكال بقدر انتمائه للخريف العربي الذي “نظمته” واشنطن بسرعة فائقة باعتباره ردا ارتداديا عنيفا ضد متواليات الربيع العربي.

وبذا نحسب ان نتائج الانتخابات الكويتية جاءت لتشكل استعصاءً جديدا للأزمة السياسية الكويتية أكثر منه تنفيسا لها. بيد ان الذي يبعث على التفاؤل في مخاضات الحراك الكويتي، وبضمنه   النتائج المستعصية اياها للانتخابات الكويتية، هو ان رئاسة مجلس الأمة قد رجعت أخيرا الى القطب النيابي المخضرم رئيس المجلس سابقا وزعيم التكتل الشعبي المُعارض المعروف أحمد السعدون، الذي ستكمن مصلحته في استمرار عمل المجلس الجديد وعدم حله كي لا يخسر الرئاسة مرة أخرى. وهذا ينطبق بنفس القدر على نواب الائتلاف المعارض الذين قَيَّضت ظروف المرحلة لكثير منهم الوصول للسلطة التشريعية، وهي ظروف لا تتكرر دائما، ما يعني ان من مصلحتهم عدم التأزيم والتوجه لانتخابات برلمانية جديدة غير مضمون نجاحهم فيها. وأخيرا وليس آخرا هناك التشكيلة الحكومية القوية التي أعلنها رئيس الوزراء المكلف لمقابلة وموازنة قوة المعارضة البرلمانية.

بهذا المعنى فان المحصلة – غير النهائية بطبيعة الحال – لجولة الصراع الجديدة التي اندلعت في دولة الكويت الشقيقة على مدى العام المنصرم ومطلع هذا العام، تكون قد “انتهت” الى ما يسمى في التحليل المالي الاقتصادي بـ “نقطة التعادل”  (Break-even point)، أي ان نتيجته لم تسفر في واقع الحال عن غالب أو مغلوب. وهنا بالذات يكمن استعصاء نتيجة الانتخابات الأخيرة التي عُوَّل عليها كثيرا لحلحلة هذا المأزق التنموي السياسي الاداري الكلي المستعصي منذ ما بعد التحرير.