منذ سنوات خلتْ شاركتُ في مؤتمر بالقاهرة كان عنوانه: «عالم عربي أفضل.. أمر ممكن»، وتحت هذا العنوان بحث ممثلو هيئات اجتماعية ومدنية من بلدان عربية مختلفة إمكانية تأسيس منتدى اجتماعي عربي، على غرار المنتديات الإقليمية والهيئات الأهلية والمدنية التي تشارك في الاجتماعات والأنشطة العالمية الواسعة المناهضة للعولمة، من طراز ذلك الملتقى العالمي الواسع الذي عقد في «بومبي» الهندية قبل شهور من عقد ذلك اللقاء.
يومها أريد لهذا المنتدى العربي أن يعبر عن رأي الحركة الشعبية العربية التي ترى في ما بات يوصف بـ” المظاهر المتوحشة ” للعولمة ولليبرالية الجديدة استمراراً لسياسات الهيمنة الاستعمارية التقليدية في صور جديدة تبدو في بعض جوانبها إعادة إنتاج لأساليب الاستعمار التقليدي في الهيمنة على ثروات البلدان الأخرى وإفقار شعوبها، وإدارة العالم من مركز واحد، خاصة بعد انهيار نظام القطبية الثنائية وتفرد الولايات المتحدة بالسيطرة على العالم، وهو الأساس الذي منه ينطلق الغرب اليوم في الكثير من سياساته، ونحن في العالم العربي، بالذات، كنا ومازلنا شهوداً على ذلك من خلال الذي يجري في أكثر من بلد عربي.
كان هذا اللقاء في وقت بدا فيه الأفق مسدوداً بوجه إمكانية أي تغيير وشيك في أي بلد عربي، وخاصة في البلد الذي استضافت عاصمته هذا اللقاء، أي مصر، ولم يكن بوسع أحد أن يتنبأ بحجم التغييرات التي أتت بها موجة ما بات يعرف بالربيع العربي، وبوسع المرء، اليوم، أن يعود بذاكرته إلى هذا اللقاء، أو إلى لقاءات ومناقشات وسجالات مشابهة في تلك الفترة، ليعيد صياغة السؤال، على ضوء المستجدات التي عشناها، حتى يصبح بالشكل التالي: «هل أصبح العالم العربي اليوم أفضل مما كان عليه»؟
نحسب أن سؤالاً كهذا لا يتحمل جواباً متسرعاً، ويتطلب نقاشاً متعمقاً، لأنه لا يجب أن ينطلق فقط من واقع اللحظة الراهنة التي نعيشها حالياً، وإنما من الآفاق المنتظرة، على الأقل في الأفقين القريب والمتوسط، للمآلات التي يمكن للعالم العربي أن يسير فيها. لكن ما هو جدير بالعناية في هذا السياق هو أن إرادة التغيير الداخلي في كل بلد، تلازمت في عالمنا العربي وعلى مدار حقبة زمنية طويلة، بمقارعة الهيمنة الغربية على مقدرات بلداننا وشعوبنا، فلم نكن نرى افقأ للتغيير يتم برعاية خارجية، استعمارية أو إمبريالية، وإنما يجب أن يكون على التضاد معها.
إنهاء الاستبداد في العالم العربي مطلب مشروع وعادل ومستحق، ولكن ما هو جدير بالنقاش، كيف للغرب الذي رعى هذا الاستبداد طوال عقود أن يكون هو من يركب موجة الدعوة إلى إسقاطه، وليس بوسع أحد أن يطيق طاغية مستبد من طراز القذافي، لا خَلقاً ولا خُلقاً، لكن أن يكون” الناتو” بالذات هو من يهندس إسقاطه وإحلال البديل محله، أمر جدير بالتوقف أمامه، وما يصح على القذافي يصح على حالات أخرى مشابهة، حين نجد أن الغرب بات طرفاً أساسياً في ترتيب أوضاع البلدان التي شهدت التغييرات، وتقرير مصيرها اللاحق عبر نسج شبكة تحالفات جديدة مع القوى التي صعدت أو صُعِدت، وكشفت عن براغماتية، أين منها براغماتية ميكافيللي.
حرر في 21 فبراير 2012