بمجرد ان تقرأ او تسمع عن تصريحات نيابية تلعلع بعد كل جلسة برلمانية خاصة اذا ما كانت هذه التصريحات لها علاقة بالفساد المالي والمساءلة والمحاسبة تصاب بإحباط شديد؛ لان مثل هذه التصريحات التي اعتدنا على سماعها منذ بداية الفصل التشريعي الأول إلى الآن لم تحرك ساكنا، وبعبارة أخرى وبالعربي الفصيح لم تمضِ في طريق التنفيذ والتطبيق.
هكذا تقول لنا التجربة كسلطة منتخبة تمثل الارادة الشعبية ولا ننتقص من هذا النائب أو ذاك وانما كل ما نريده ان تعمل هذه السلطة في إطار مهماتها الرقابية والتشريعية، ولن يتأتى ذلك بالتهديد والتصريحات التي لا تفيد ولا تنفع أو كما يقول اهل الخليج «لا تودي ولا تييب» وانما بالأفعال لا بالأقوال تلك هي المسؤولية البرلمانية.
هذا الكلام اشرنا اليه واشار له غيرنا أكثر من مرة وما يعنينا هنا كل التصريحات التي «تردح» ليلا نهارا بمحاسبة المتلاعبين بالمال العام، والحديث هنا يجرنا الى نداء وجهه النائب عادل العسومي – الذي نكن له التقدير لرئيس مجلس المناقصات ووزير المالية وفحوى هذا النداء «التدقيق على تصرفات وقرارات بعض الوزراء الذين اصبحوا يقدمون مصلحتهم الشخصية على مصلحة الوطن ويتحايلون على القانون لمكاسب شخصية في المناقصات والمصروفات ما يكلف ميزانية الدولة ملايين الدنانير، وأكد ايضا « بأن مجلس النواب يرصد باستمرار هذه التجاوزات الصارخة، وفي مقابل ذلك اشار النائب كما نشر في احدى الصحف المحلية بان اطلاق هذا النداء يأتي احتراما للوزارات المعنية التي هي محل ثقة مجلس النواب ورغبة في ايقاف التجاوزات قبل ان تتفاقم، مضيفا بان مجلس النواب يتدرج في استخدام الادوات البرلمانية عند حدوث تجاوزات وعندما تتفاقم المشكلة نضطر للتشديد في المحاسبة حفاظا على المال العام ومصلحة الدولة العليا، وأكد ايضا بان مجلس النواب سيستخدم الادوات الدستورية والقانونية لمحاسبة المتلاعبين!!).
ومع اهمية كل ذلك نقولها وبالفم المليان نصاب بخيبة امل كلما نسمع عن محاسبة المفسدين ومع ذلك نشد على ايدي النواب خاصة اذا ما كانت مساءلة المتسببين في هدر المال العام تتبعها محاسبة لا تعرف الاستثناءات، اساسها ينطلق من مبدأ الشفافية واحترام القانون، وفي ذات الوقت نقول لأصحاب السعادة: ان التشريعات لا تسن من اجل ان تظل محفوظة في الادراج بل انها توضع لتطبق، وبالتالي لا ندري الى الان لماذا لم يحاسب اي متلاعب بالمال العام!! في حين ان الكل يعلم علم اليقين ان مثل هذه التجاوزات موجودة في اغلب الهيئات الحكومية، والشاهد على ذلك تقارير ديوان الرقابة المالية، وفي هذه الحالة لماذا ومنذ ثماني سنوات وهذه التقارير تصدر سنة تلو الاخرى والى الان رغم تحديدها لمواطن الخلل بشكل واضح وجلي لم يتخذ البرلمان موقفا واضحا في تطبيق المحاسبة على تلك الجهات المخالفة!! وهذا يعني اما كل شيء عندنا يسير وفق القانون أي «كل شيء تمام» أو التقصير في تطبيق القانون!!
على اية حال لا نريد ان نوزع الاتهامات على النواب او نصدر احكاما سلبية مطلقة بحق ممثلي الشعب وانما كما اشرنا سلفا لماذا كل هذه التهديدات والتصريحات في حين اننا والى هذا الوقت لم نستجوب ونحاسب مسؤولا له علاقة بهدر المال العام؟! ومن هنا، فان التصريحات النارية بالمحاسبة لا قيمة لها ما لم نكن قادرين على تفعيلها.
ومن المؤلم في الامر ان المتسببين في هدر المال العام يسرحون ويمرحون وان كانت هناك رقابة الا ان المحاسبة ما تزال قاصرة!!
مرة اخرى، اذا ما اردنا ونحن نتناول قضية التلاعب بالمال العام باعتبارها فسادا ماليا من مهام النواب استخدام الادوات البرلمانية عند حدوث مثل هذه التجاوزات فان اهتمام العسومي او غيره من النواب باستخدام الادوات الدستورية والقانون لمحاسبة المتلاعبين بالمال العام نأمل ولحماية هذا المال ان يدخل حيز التنفيذ، هذا ما أكد عليه المشروع الاصلاحي، ومع ذلك فقد كانت مبادرة النائب المذكور أعلاه خطوة ايجابية لعلها تفتح طريق المحاسبة.
الأيام 18 فبراير 2012