على الرغم من عدم اكتمال الطابع الديمقراطي البرلماني لنظامنا الدستوري، خصوصا في ظل غياب التنظيم الحزبي للحياة السياسية وانعدام آلية التداول الديمقراطي للسلطة التنفيذية، إلا أنّ هناك اعتبارات دستورية مهمة لابد من مراعاتها عند تشكيل الحكومة وفي أسلوب عملها… غير أنّه، مع الأسف، فقد جرى تجاهل هذه الاعتبارات لسنوات طويلة وفي معظم التشكيلات الحكومية المتعاقبة ما يوجب التذكير وإعادة التذكير بها.
وأول هذه الاعتبارات، ما أوجبته المادة 57 من الدستور في شأن تشكيل الحكومة في بداية كل فصل تشريعي جديد لمجلس الأمة؛ وما تمّ توضيحه في المذكرة التفسيرية من أنّ “تجديد الانتخاب معناه التعرّف على الجديد من رأي الأمة، وهذا الجديد لا يصل إلى الحكومة إلا بإعادة تشكل الوزارة وفقا لاتجاهات وعناصر المجلس الجديد”، بل تضيف المذكرة التفسيرية للدستور أنّ “أمير البلاد يراعي عند إعادة تشكيل الوزارة في هذه الحالة الأوضاع الجديدة في المجلس النيابي وما يقتضيه الصالح العام من تعديل في تشكيل الوزارة أو تغيير في توزيع المناصب الوزارية بين أعضائها”… وبالتأكيد فقد أفرزت الانتخابات الأخيرة نتائج ذات دلالة وعبّرت عن توجهات جديدة لدى الناخبين لابد من مراعاتها عند تشكيل الحكومة الجديدة، أما تجاهلها فسينعكس سلبا بالضرورة على العلاقة بين المجلس والحكومة.
أما ثاني الاعتبارات الدستورية في تشكيل الحكومات، فهو ما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور في تصويرها العام لنظام الحكم من أنّه قد “اقتضت ظروف الملاءمة، ومراعاة واقع الكويت كذلك، ألا يُؤخذ على نحو مطلق بالقاعدة البرلمانية التي توجب أن يختار الوزراء من بين أعضاء البرلمان، ومن ثَمَّ تمنع تعيين وزراء من خارج البرلمان، وهي قاعدة ترد عليها استثناءات متفاوتة في بعض الدساتير البرلمانية. لهذا لم يشترط الدستور أن يكون الوزراء أو “نصفهم على الأقل” من أعضاء مجلس الأمة، تاركا الأمر لتقدير رئيس الدولة في ظل التقاليد البرلمانية التي توجب أن يكون الوزراء قدر المستطاع من أعضاء مجلس الأمة”… ولعلّ هذا التوجيه الدستوري في شأن التقاليد البرلمانية بأن يكون الوزراء قدر المستطاع من أعضاء مجلس الأمة لم يُراع إلا في التشكيل الحكومي اللاحق لانتخابات مجلس الأمة في الفصل التشريعي السابع بعد التحرير وعودة العمل بالدستور في العام 1992، الذي ضم حينذاك ستة من الوزراء النواب، ثم تقلص عددهم إلى أربعة في تعديل الوزاري الذي أجري في العام 1994، وبعدها تمت العودة إلى أسلوب “الوزير المحلل”، بالاكتفاء بتوزير أحد النواب، بحيث أصبحت قاعدة التوزير من بين النواب استثناء؛ وأصبح الاستثناء بالتوزير من خارج المجلس قاعدة!
والاعتبار الدستوري الثالث، أنّ رئيس مجلس الوزراء ليس رئيسا للوزراء، مثلما هي الحال في بعض البلدان، وإنما هو رئيس لكيان دستوري قائم بذاته هو مجلس الوزراء الذي يضمّه مع زملائه الوزراء جميعا… وقد حدد الدستور صلاحيات رئيس مجلس الوزراء في ترشيح أسماء أعضاء الوزارة، وكون الرئيس إلى جانب الوزراء مسؤولين بالتضامن أمام الأمير عن السياسة العامة للدولة، إلى جانب ما أوردته المادة 127 من الدستور بأن “يتولى رئيس مجلس الوزراء رئاسة جلسات المجلس، والإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة”، وأخيرا ما قررته المادة 128 من أنّه عند تساوي الأصوات داخل مجلس الوزراء، وليس في أي حالة، يُرجّح الجانب الذي فيه الرئيس… ولكن التجربة الملموسة تظهر أنّ سلطات رئيس مجلس الوزراء في الكويت أصبحت تتخطى بكثير ما كان قد رسمه الدستور لها من حدود، فقد أصبح رئيسا لمرؤوسين!
والسؤال الآن، ترى هل ستراعى هذه الاعتبارات الدستورية التي طالما تمّ تجاهلها في التشكيل الحكومي الجديد؟ أم أنّها أصبحت مع مرور الوقت نسيا منسيا؟!
عالم اليوم
14 فبراير 2012