في ظل الأحداث التي مرت بها البحرين منذ 14 فبراير 2011 وما نتج عنها من تداعيات ونتائج الانقسام الطائفي الواسع الذي لم يشهده مجتمعنا البحريني طوال تاريخه تعود بنا الذاكرة الوطنية إلى ( بندر ) ، و( بندر) هذا القاطن في الرفاع الشرقي سني المذهب ، كان ينتقل من موطنه إلى قرية باربار مدربا متطوعا لكرة القدم في نادي القرية غير إننا لم نشعر أو نفكر قط أنه على غير مذهبنا ، وتعود بنا الذاكرة أيضا ونحن في هذا الانقسام إلى مقاعد الدراسة ، في مدرسة المنامة الثانوية ، كنا نجلس في كرسي واحد مع عادل الزايد ، وعلي بوحجي ، وغيرهما من الطائفة السنية الكريمة اللذين شاركونا في تحركات الطلبة و في وضع أكياس الأرز المبللة بالماء في إخماد مسيلات الدموع الزاحفة داخل المدرسة ، ولم نشعر أنهم على غير مذهبنا ، وتعود بنا الذاكرة والطائفية تطال وتؤثر حتى في من تعلم الأممية ، إلى دراجة أبو باسل النارية ، وأبا باسل هذا كان بارباريا من أوائل من تشرب الأممية ، كان يطير بدراجته يحمل بها منشورا أصدرته ( جتوب ) ، ينقله إلي أحياء سنية تدعو للوحدة الوطنية .
فهل يعود إلينا ( بندر ) رسولا مدربا يمقت الطائفية ، ويعود ( عادل الزايد ) إلى مدرستنا حاملا حبه القديم ، يطلب العدل ، ونعود إلى بيته العتيق الكائن في ( الحورة ) نسمع منه موج البحر من النافدة ، نفتش معا عن ( عبيد الجبار ) في مكتبة النادي العربي ، ويعود ( علي بوحجي ) بأشرطة من أغان كنا نتبادلها ونعود إليه بأغنية حديثة للأطفال تشدو ( أيوه بكتب للعالم رسالة ، السلام والعدل فكرة مش محالة ) ، ويعيد أبا باسل دراجته النارية من متحف أسمه ( لا للطائفية ) . ويغني أغنية أممية قديمة ( لا تسألني عن عنواني أنا بيتي في كل مكان في الحد وفي المقشع، في الرفاع وفي جنوسان ( ؟؟؟
وتعود بنا الذاكرة الوطنية ونحن نشهد الأزمة السياسية إلى رؤية المرحوم المناضل ( أحمد الذوادي ) أحد قادة النضال الوطني في البحرين ضد الاستعمار وفي مرحلة النضال من أجل التحول الديمقراطي ، للعمل السياسي ، هذه الرؤية التي تجمع بين صلابة الموقف والتشخيص السليم للأحداث التي مرت بها البحرين في ظل حياته وبين قراءة الواقع قراءة متأنية واتخاذ الموقف منه. ففي مقال له نشرته صحيفة الأيام بتاريخ 27 نوفمبر 2004 بعنوان ( التعامل مع المتغيرات في الواقع السياسي.. فن!! ) ، يتساءل أبو قيس في هذا المقال (هل يتطلب التعامل مع الواقع السياسي بما يستجد عليه من متغيرات ومستجدات سواء ايجابية كانت أم سلبية فنا؟ ) ويجيب ( اجل، لأن الفن هو أسلوب راق وشفاف يحمل في طياته مراعاة الأبعاد المختلفة والمتعددة للمسألة موضوع المعالجة، ويسلط عليها الأضواء الكاشفة ليرى المتعامل معها، دقائقها مثلما يترأى للناظر ظاهرها وكبير تفاصيلها، ومثلما هو بالنسبة للعمل الروائي والقصصي والنقدي والسينمائي والمسرحي والرسم والنحت وغيرها من الفنون، فإنه كذلك بالنسبة للعمل السياسي، زد على ذلك يتمتع العمل السياسي ببعض الخصائص اللصيقة به مثل المواجهة المباشرة والآنية أحيانا، وما يلجأ إليه بعض أطرافه أو جميعهم لأسلوب المناورة والمداورة وتغيير المواقع والمواقف في هذا المنحنى أو ذاك. )
ويواصل الذوادي إجابته بصفته أحد اللذين خبرتهم الحياة والتجربة الغنية في العمل السياسي الطويل بقوله ( وفي العمل السياسي نرى تحالفات تختفي وتظهر اخرى، ويظهر بعضها لمواجهة تحالف آخر أو لغرض آني، تنتهي بمجرد تحقق هذا الغرض، وقد يحف ببعضها سوء النية ويفتقر بعض آخر إلى الصدقية والمصداقية. ويعتبر ذلك من طبيعة الأشياء إذا سار ضمن اللعبة السياسية وفي أجواء الاستقرار وضمن الحراك السياسي الذي تقتضيه العملية السياسية في المجتمع حيث أن كل طرف مسئول عن حساباته وتقديراته وعن صحة قراره أو خطئه، ويتحمل نتائج خسارته.) .
هكذا فهم ومارس أحمد الذوادي العمل السياسي وهو ( الوطني المخلص الذي فقدته البحرين حسب تعبير الدكتور محمد الانصاري ) ، وهكذا رحل وهو محكوم بالأمل بواقع أفضل فيقول في مقاله سالف البيان ( ومع ذلك فقد لا يتحقق ما تصبو إليه القوى السياسة لأسباب مختلفة، وعندها لن يكون ذلك نهاية المطاف، ولا يعني أن أشياء ايجابية لم تتحقق، ذلك ان النشاط السياسي والقانوني ونشر وتعميق الوعي بهما أمور ايجابية لا يستهان بها. وما تعجز القوى السياسية عن تحقيقه هذه المرة أو هذا العام، فقد تحقق ذلك في مرة أخرى أو عام قادم.. ذلك مرهون بحسن تخطيطها ومثابرتها واستمرارها في حشد الطاقات والجهود في هذا الاتجاه وتوظيفها فن التعاون مع المتغيرات وموازين القوى. ) .
فهل لنا أن نستعيد هذه الرؤية نحو مصالحة حقيقية عادلة منصفة تخرج البحرين من أزمتها السياسية ؟.