في ضوء التداعيات المستمرة للأزمة التي عصفت بالبلاد، يصبح مهماً أن يلتفت المجتمع إلى قضاياه الكبرى الحيوية التي تحتاج إلى حل، كتوسيع وتطوير المشاركة السياسية، من أجل تحقيق فصل فعلي للسلطات، يعود من خلاله للسلطة التشريعية دور غير منقوص، وأن تكون الحكومة معبرة عن الإرادة الشعبية، وإيجاد وتفعيل آليات مكافحة الفساد المالي والإداري وطرق التصرف بالمال العام.
ولكن ليس أقل أهمية من ذلك إدراك أن الهدف من هذا الالتفات لهذه القضايا وإثارتها ليس دفع الأمور نحو المواجهة، بقدر ما هدفه إبراز حاجة المجتمع لحل هذه القضايا أو وضعها على طريق الحل وصولاً لإيجاد مخارج لها، تؤمن للبلاد مقداراً أكبر من الاستقرار وللناس مقداراً أكبر من الطمأنينة إلى المستقبل والثقة في آفاق عملية الإصلاح السياسي المنشود.
ما من مجتمع حيوي، كما هو حال المجتمع البحريني، يمكن أن يتطور ويتقدم إلى الأمام في غياب المطالبات الشعبية باحراز هذا التطوير والتقدم، ومثل هذه المطالبات تنطلق من قواعد مشروعة، يجب أن تضمنها التشريعات المنظمة للممارسة السياسية وفق المعايير الدولية، وتحسن قوى المجتمع المدني والجمعيات السياسية صنعاً إذا ما أبرزت حرصها ليس فقط على تقديم البيانات والمعطيات التي تظهر حجم القضايا غير المحلولة، وإنما أيضاً عبر اقتراح الحلول والمخارج الواقعية لهذه القضايا.
وحين تجري مطالبة السلطة التنفيذية بالتوجه الجدي لحل القضايا غير المحلولة، فلأن تلك هي مسؤوليتها المباشرة، فالمجتمع المدني، مهما كانت قوته أو درجة وعيه أو تنظيمه ليس عليه أن يحل قضايا إشكالية ذات طبيعة اجتماعية واسعة كتلك التي أشرنا إليها، وليست تلك هي مهمته على كل حال.
هدف قوى المجتمع المدني أن تشكل قوة ضاغطة باتجاه البحث عن حلول لتلك القضايا، والتي لن يؤدي التلكؤ في مقاربتها بجدية في اتجاه حلها إلا إلى تفاقمها، وبالتالي زيادة صعوبة حلها فيما بعد، فضلاً عن التداعيات الاجتماعية والسياسية السلبية التي سوف تترتب عليها، ولو أخذنا ملفا أي ملف إشكالي من تلك الملفات التي تجابه البلاد اليوم، فإن من الصواب ألا تكتفي هذه القوى بممارسة حقها المشروع الذي يحميه ميثاق العمل الوطني والدستور وكثير من التشريعات النافدة في استخدام وسائل الضغط السلمية المختلفة من أجل تحقيق الرغبات الحقيقية للناس، وإنما تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بتوظيف ما لديها من وقائع ومعطيات وما تمتلكه من خبرات وكوادر في اتجاه اقتراح الحلول والمخارج لها، لنظهر في صورة القوى التي تمتلك البديل الأفضل القادر على إقناع الناس بأهليتها كقوى سياسية حية ومستقبلية، بما في ذلك نبذها لأساليب العنف.
ومن يراجع أدبيات ومواقف عدد من الجمعيات السياسية سيجد أنها تقدمت بمرئيات حول الإصلاحات الدستورية المنشودة وحول تطوير النظام الانتخابي والارتقاء بالتشريعات، خاصة منها تلك المتصلة بالحريات، لكن المطلوب لايزال أكثر من أجل أن تتحول هذه الأحزاب إلى قوى حزبية برؤى برامجية متكاملة، بما يساعد على تشكيل بيئة ملائمة، بتضافر جهود كافة مكونات المجتمع من أجل التغلب على العوامل المُولدة للأزمة، واحتواء آثارها السيئة على أكثر من صعيد.
حرر في 13 فبراير 2012