استمعتُ منذ ايام قلائل لمداخلة أحد أفراد الفريق العامل في اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، قال فيها إن لدى البحرين من الكفاءات والكوادر البشرية القادرة على أن تضع حلولاً لتداعيات الأزمة التي تمر بها البلاد، أكثر مما يمكن أن يفعله الخبراء الأجانب.
وجاء هذا الحديث في سياق عرض لفكرة فحواها أنه من الخطأ تحويل الأمر إلى مجرد شأن تقني، يمكن لشركة أجنبية او خبراء أجانب أن يُقدموا بشأنه المشورة، حتى لو كانت هذه المشورة مفيدة، والصحيح هو أن يُوضع الأمر في سياقه العام، السياسي والاجتماعي، الذي لا يمكن لغير البحرينيين أن يكونوا مُلمين به، وقادرين على حله.
والرجل الذي قال هذا الكلام هو الدكتور محمد هلال الأستاذ في جامعة هارفرد الذي عمل على مدار عدة شهور في البحرين ضمن فريق تقصي الحقائق، وهو بنى استنتاجه هذا من خلاصة اللقاءات المتعددة التي أجراها هو وأفراد الفريق مع ممثلي الفعاليات السياسية والاجتماعية في البلد والأفراد الذين التقت بهم اللجنة لسماع شكاواهم أو آرائهم في ما جرى في البلد.
واعتدنا أن نسمع الاطراء في كفاءة وقدرات الكوادر البحرينية في مجالات شتى، وهو أمر تستحقه كوادر هذا الشعب الواعي والمتعلم والطموح الى المزيد من الحقوق السياسية والاجتماعية، لكن أن تأتي هذه الشهادة في أمر يتصل بتدابير الخروج من أزمتنا الراهنة، ومن رجل عضو في فريق بات ملماً بالكثير من تعقيداتها بسبب انشغاله المكثف على حيثياتها، فان لذلك أهمية خاصة.
هذا يقودنا الى التبصر في حقيقة أن حل الأزمة يجب أن يكون نابعاً في الأساس من الإرادة الوطنية لأهل البحرين أنفسهم، وهذا لا ينفي أن هناك تجارب جديرة بالدراسة والعناية في بلدان مختلفة في العالم مرت بأزمات حادة، ربما تشبه في بعض وجوهها ما مررنا ونمر به، وهذا ما يجري حوله حديث متواتر، ولكن هذا لا يعني أن نتصور أن خبيراً أو خبراء اجانب مهما علت كفاءاتهم وزادت خبراتهم سيكونون أكثر مقدرة منا على معرفة تعقيدات وضعنا وجذور أزمتنا الراهنة وأشكال تجلياتها، ولا تلمس الخصائص الثقافية والروحية لمجتمعنا، كما نستطيع نحن أنفسنا أن نفعل.
ما تحتاجه البلد حقيقة هو أن تتوفر لدى الأطراف كافة الرغبة في أن تحل الأزمة حلاً جدياً، لا الاستمرار في إعادة انتاجها أو إطالة أمدها، وهذا الأخير أمر نلمسه في مجالات شتى، فيما المؤكد أن مصلحة البلد الوطنية العليا ومستقبلها تكمن في الخيار الأول الذي يقتضي تنازلات متبادلة وصعبة في الآن ذاته، خاصة وأنه لم يعد جائزاً التصرف كما لو أن البحرين لم تمر بأزمة حادة على كافة الصعد، غير مسبوقة فعلاً لا قولاً، وبالتالي فان الحل المنتظر يجب أن يكون هو الآخر غير مسبوق. يمكن لدروس هذه الأزمة إن جرى استخلاص العبرة الكافية منها أن تشكل قاطرة للبلد نحو المستقبل، وما أكثر الشعوب التي حولت محنها إلى مناسبة تختصر مسارها نحو التقدم بسرعة مضاعفة مرات، فما كان يتعين تحقيقه خلال عقود من التطور الرتيب، يمكن تحقيقه خلال سنوات قليلة.