المنشور

بعض الإعلام حين يدفع إلى الانقضاض


يعمل الإعلام حين يكون غير أخلاقي في تعاطيه مع قضايا الناس والأوطان، على الإسهام في تراكم التراجعات والانتكاسات التي تطول كل مناحي الحياة، بدءًا بأسس اللعبة السياسية وليس انتهاء بالاقتصاد والبيئة. نعم البيئة نفسها يطولها أثر التراجع والانتكاس إنْ بشكل أو آخر.
 
يبحث الإعلام النزيه في الأمم المستقرة عمّا يثبّت ويدعم ذلك الاستقرار. يبحث عن الأماكن والمفاصل والبؤر التي لم يقدّر له الوصول إليها. يبحث عن المسكوت عنه من قضايا الناس واحتياجاتهم الأساسية الغائبة أو المغيّبة، والكامن فيها انفجار لن يطول اختباؤه. يعي ضرورة ووطنية دوره في ألا ينتظر حدوثه ومن ثم يشرع في مراحل البحث عن الحلول بعد سلسلة من التنظير الذي لن يقدم ولن يؤخر بعيداً عن المبادرات والفعل على الأرض. يبادر دور وضع كل ذلك بأمانة وتجرّد أمام الضوء. يستقطب خبراء ومحللين ومختصين يقدّمون رؤاهم وحلولهم ومقترحاتهم العملية كي لا يتهدّد ذلك الاستقرار.
 
وفي أمم ومجتمعات ضمن عالمنا وجغرافيتنا، لا يحتاج إعلامها إلى تحسّس أماكن ومواطن وبؤر الخلل تلك. هو في إجازة مفتوحة. ضميره في ذمة الله. يعمد إلى التعتيم على كل ذلك، وتلك هي مهمته؛ بل مهمته الأبرز في هذا الصدد نفي حقيقة أنها موجودة أساساً. إعلام «نفي» لما يراد له أن ينفى. وإعلام إثبات ما هو غير موجود أساساً.
 
ليست الخطورة في هكذا توجّه فحسب. الخطورة تكمن في أن يعمد مثل ذلك الإعلام، وفي لحظات توتر وقلق مركّز ومضاعف إلى استدراج تلك اللحظات لمرحلة الصدام المباشر؛ إما باستفزاز جزء من المكونات في المجتمع وتخوينه من دون نسيان اللازمة المملة التي باتت سخيفة: «الارتباط بأجندات خارجية».
 
يراد لبشر جغرافيتنا أن ينكفئوا على حالات التمييز والتفرقة التي تمارس ضدهم وأن يصمتوا ويغضوا الطرف ويتجاهلوا التفكير في التصريح بها كي يثبتوا وطنيتهم، لحظتها هم مواطنون بالصفة، وغرباء وطارئون على الأرض بالمعنى، إذا تحول الأمر إلى الحديث عن الحقوق على الأرض. وحين يضج ويرتفع صوت أولئك البشر احتجاجاً على ممارسات هنا وهناك؛ سيكون الإعلام متحفزاً… حاضراً لقيادة مكنة التخوين والتسقيط والتبعية إلى الخارج وأجنداته!
 
يسهم مثل ذلك الإعلام في تعميق الكراهية وتوجيهها وارتفاع منسوبها. إعلام كذاك لا يمكن له أن يتحدث عن أخلاقيات المهنة ومواثيق الشرف. بينه وبين الشرف برزخ بامتداد السماوات والأرض. لا يمكن له أن ينبس ببنت شفة ساعة الحديث عن القيم. كانت موضوع وطء لحظة الممارسة. مثل ذلك الإعلام يضرب الأخلاقيات ومواثيق الشرف في مقتل، من دون أن ينسى نجومه من ذوي الابتسامات الصفراء الذين يتبجحون بوسامتهم أمام الكاميرات وعبر الأعمدة التي هي بمثابة أوكار لتفتيت أواصر ولحمة الأمة والأخذ بها إلى حتف أو احتراب لا يعلم مدى خسفه وضحاياه إلا الله. لن ترى بعد ذلك الفعل إلا القبح كل القبح. الوسامة في مهب رياح محصلات ذلك الفعل وما ينتج عنه من غنائم.
 
يأخذك مثل ذلك الإعلام إلى محارق بالجملة أكثر من الأخذ بك إلى عمارة الحياة وبشرها. يأخذ بك إلى ثقافة استسهال وتبرير ألا ترى غيرك ينعم بالحياة في تساوي الحقوق والواجبات. يدفع باتجاه تحويل المجتمعات بمكوناتها إلى كانتونات وحالة مرَضية نصْب عينها الانقضاض. مثل ذلك الإعلام هو في الذروة من إبادة الحياة، وأشد وقعاً من أدوات الإبادة الشاملة.
 
إعلام كذاك، عليه أن يخجل من الكذب على نفسه قبل الكذب على الناس بالحديث عن أخلاقيات المهنة ومواثيق الشرف
 

صحيفة الوسط البحرينية –  06 فبراير 2012م