زيارة الوفد الذي يمثل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وما صرح به رئيس اللجنة البروفيسور محمود شريف بسيوني في عدد من المقابلات في وقت سابق، يشي بأن اللجنة التي تشكلت بأمر ملكي ليست راضيةً عمّا تم تنفيذه حتى الآن من توصيات عكفت على مدى أكثر من ثلاثة أشهر على صياغتها لتخرج البحرين من الوضع المتأزم الذي أدى إلى أحداث فبراير ومارس الماضيين.
هذه الزيارة التي سيتم خلالها الاجتماع بمختلف المؤسسات الرسمية والأهلية تأتي بغرض «التعرف على أرض الواقع لما تم تنفيذه من التوصيات، وجمع المعلومات وتحليلها لعرضها على رئيس اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق البروفيسور محمود شريف بسيوني»، كما أشار الوفد في لقائه مع رئيس اللجنة الوطنية لتنفيذ توصيات اللجنة علي صالح الصالح.
ورغم أن الوفد يؤكد أن اللجنة «تعمّدت أن تبتعد عن التدخل في خصوصية مملكة البحرين، لذا جاءت توصياتها مرنةً بالشكل الذي يسمح لحكومة مملكة البحرين بتنفيذها بما يتوافق مع المعايير الدولية المعروفة»، إلا أن ما أثار حفيظة بسيوني هو أن البحرين لم تستفد من هذا التقرير أو التوصيات وكأنه لم يكن.
لجنة تقصي الحقائق أوصت في التقرير الذي أصدرته في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي بما يقارب من 30 توصية بعضها يتعلق بأمور إجرائية، والبعض الآخر بتعديلات تشريعية لم يتحقق منها بعد مرور أكثر من شهرين غير ثلاث أو أربع توصيات، ولم تكن بشكل كامل، وما تم لا يتعدى تعهدات حكومية بالنظر في كيفية تحقيق التوصيات وتكليف خبراء قانونيين دوليين لوضع تصورات لتنفيذ هذه التوصيات.
فالحكومة حتى الآن لم تضع جدولاً زمنياً لتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير، كما أنها لم تنفذ ما جاء في الفقرة رقم 1722(أ) والخاصة بالقيام بتحقيقات فاعلة في حوادث القتل المنسوبة لقوات الأمن وتحديد المسئولين عنها، باستثناء تقديم 5 من رجال الشرطة إلى المحاكمة المدنية بعد تبرئتهم من المحكمة العسكرية بتهمة قتل اثنين من الموقوفين على رغم أن النائب العام علي البوعينين ذكر أن النيابة العامة تسلّمت 113 قضية بتهم التعذيب تضم 62 متهماً.
كما لم تقم الحكومة بتنفيذ التوصية الخاصة بالتحقيق في جميع دعاوى التعذيب من قبل هيئة مستقلة. ولم تقم بإلغاء أو تخفيف جميع الأحكام الصادرة بالإدانة على الأشخاص المتهمين بجرائم تتعلق بحرية التعبير السياسي والتي لا تتضمن تحريضاً على العنف كما جاء في التوصية رقم 1722(ح). ولم تقم حتى الآن بتعويض عائلات الضحايا المتوفين بما يتلاءم مع جسامة الضرر وتعويض كل ضحايا التعذيب وسوء المعاملة.
ولم تخفف الرقابة على وسائل الإعلام والسماح للمعارضة باستخدام أكبر للبث التلفزيوني والإذاعي والإعلام المقروء، والأهم من كل ذلك فإنها حتى الآن لم تطرح برنامجاً للمصالحة الوطنية يتناول مظالم المجموعات التي تعتقد أنها تعاني من الحرمان من المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بغية أن تعم الفائدة منها على كافة طوائف الشعب البحريني كما جاء في التوصية رقم 1725 (ب).
كل ذلك أدى إلى طرح تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في تنفيذ التوصيات التي خرجت بها اللجنة.
صحيحٌ أن مهمة اللجنة انتهت بمجرد تقديمها التقرير في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ولكن المسئولية الأدبية للجنة لن تنتهي عند ذلك، وخصوصاً أن الهدف الأساسي من تشكيلها هو معرفة ما حدث بالضبط، والأسباب التي أدت لذلك، وعدم تكرار المأساة مرةً أخرى.
صحيفة الوسط البحرينية – 03 فبراير 2012م