المنشور

هل تشكل شركة طيران الخليج تهديداً للاقتصاد الوطني؟ – عيسى سيار


بعد مرور ما يقارب ستة عقود على تأسيس طيران الخليج أصبحت هذه الشركة بمثابة حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، التي يتناقلها الأبناء والآباء عن الأجداد! فالشركة المصابة بمرض عضال مزمن اسمه سوء الإدارة والفساد عافاكم الله، غير قادرة على الوقوف على عجلاتها والتحليق عالياً بالرغم من تقديم حكومة البحرين لهذه الشركة كل أنواع الدعم والإسعافات الأولية والأساسية والرعاية والحماية، إلا أن الشركة مازالت جسماً سقيماً مقطع الأوصال غير قادر على الحركة، أو بمثابة طفل خديج غير قادر على النمو. بل أصبحت الشركة عالة على الاقتصاد الوطني.
 
إن ما دعاني للكتابة عن طيران الخليج هو قرار مجلس الوزراء في 2012/1/21 بإعادة هيكلة الشركة وما تبع ذلك القرار من رمي الحكومة لطيران الخليج في ملعب النواب، وقيام رئيس مجلس النواب بتشكيل لجنة برلمانية مؤقتة لدراسة أوضاع الشركة. ولكن لنقف قليلاً هنا ونتساءل: كم عدد اللجان الداخلية والخارجية والشركات الاستشارية التي شكلت لدراسة أوضاع الشركة؟ وكم من المال والجهد والوقت بذل؟ وأين نتائج تقارير تلك اللجان والدراسات بشأن تطوير الشركة وتصحيح مسارها؟ كما أننا لا نعلم كم عدد التنفيذيين الذين تم تغييرهم، منذ أن استكملت البحرين الشركة العام 2007 حتى أصبحت الشركة حالها حال منتخبات الكرة في دول الخليج في تغيير المدربين.
 
أعتقد جازماً بأن الحكومة أصبحت في وضع لا يحسد عليه في إدارتها لملف طيران الخليج، وقررت كما قلنا نقل الشركة إلى ملعب مجلس النواب. هذا المجلس الذي دائماً ما تكون تحركاته على هيئة ردود أفعال، حيث لا يملك قط أي استراتيجيات للاقتصاد الوطني، فهو يتحرك عندما «يقع الفاس في الراس». وهنا نود أن نشير إلى تقرير لجنة التحقيق التي شكلها مجلس النواب السابق في العام 2010 برئاسة النائب عبدالحليم مراد، والتي اكتشفت من النتائج والحقائق عن الفساد الإداري والمالي في طيران الخليج ما يشيب له رأس الوليد. تلك اللجنة البرلمانية التي تشكلت على خلفية قرار مجلس التنمية الاقتصادية العام 2010 والذي بموجبه قام بتحويل ملف إدارة الشركة إلى الحكومة بعد ثلاث سنوات من شراء البحرين الشركة بالكامل في العام 2007، وبعد أن قام مجلس التنمية بتغيير ثلاثة رؤساء تنفيذيين مع تغيير متسارع وغير مسبوق في أعضاء مجلس الإدارة.
 
إن طيران الخليج ليست شركةً متعثرةً فحسب، بل أصبحت بمثابة مصاص للدماء الذي يسحب الملايين من الاقتصاد الوطني، ما يؤثر سلباً بالطبع على مشاريع التنمية في مجالات الصحة والتعليم والإسكان والخدمات الاجتماعية الأخرى. وعلى نواب الشعب أن لا يبلعوا الطعم الآن! ويؤسفني القول بأنه لا توجد لدي أرقام محددة عمّا تم ضخه من أموال في جسم هذه الشركة المترنحة منذ العام 2007 ولكنه في الحد الأدنى ليس أقل من 800 مليون دينار بحريني! حيث تم توفير المبلغ من خلال الاقتراض الداخلي أو الخارجي، أو من خلال التمويل الحكومي المباشر، ولكن مع الأسف ذهبت تلك المبالغ هباءً منثوراً، فالشركة تخسر يومياً وحسب تقرير لجنة التحقيق البرلمانية السابقة ما يقارب من ثلاثة أرباع مليون دولار يومياً! كما إن القائمين على الشركة اعترفوا مؤخراً بأن الشركة أصبحت تخسر يومياً أكثر من المبلغ الذي ذكرناه وعليك أيها المواطن أن تدفع الفواتير!
 
إن تشكيل اللجنة البرلمانية المؤقتة من قبل مجلس النواب ما هو إلا التفافٌ من قبل المجلس على فشل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية الذريع في علاج أزمة الشركة على مدار السنوات الأربع الماضية، وهو تخريجةٌ أرادت أن تحصل عليها الحكومة من نواب الشعب حتى تشركهم في تحمل مسئولية الفشل الاستراتيجي الذي تعاني منه الشركة منذ ما يقارب العقود الثلاثة الماضية ويبدو لي أنهم بلعوا الطعم، حيث أوصت اللجنة المؤقتة التي شكلها المجلس مؤخراً وبشكل غير مدروس، وبناءً على طلب الحكومة يضخّ ما يقارب من 250 مليون دينار لجسم الشركة حتى تتمكن من الحركة. وهنا نتساءل وبمشروعية إلى متى سيتم ضخ الملايين في جسم طيران الخليج؟ ولماذا معظم شركات الطيران في دول الخليج والتي تأسست معظمها خلال العقد الماضي، أي بعد طيران الخليج تنمو وتتطور وتحقق الربحية إلا طيران الخليج؟
 
إنني ومن خلال متابعتي لمسيرة طيران الخليج ومن خلال نتائج الدراسة التي أعددتها عن الشركة العام 1997 عن أسباب الفشل الاستراتيجي الذي تعاني منه طيران الخليج، أعتقد جازماً بأن الشركة تعاني من سوء في الإدارة حيث إنها تدار بعقلية بعيدة عن المهنية. نعم الشركة تحتاج إلى قرارات سياسية لتطويرها ولكن يجب أن لا تدار بعقلية قائمة على المحسوبية والمحاصصة السياسية.
 
إذن ما هو المطلوب؟ يحتاج ذلك إلى وقفة أخرى.
 
عيسى سيار

صحيفة الوسط البحرينية –  01 فبراير 2012م 
  
 




هل من سبيل لإنقاذ طيران الخليج؟
 

 
لقد انتهينا في المقال السابق إلى التساؤل عمّا هو المطلوب لإنقاذ شركة طيران الخليج؟ ونود هنا أن نرسل رسالةً إلى الإخوة نواب الشعب، مفادها أن الحل لا يمكن أن يكون من خلال قرارات متعجلة تتمثل في ضخ الملايين إلى جسم الشركة المريض، أو تعيين رئيس تنفيذي بحريني، أو أن يشارك مجلس النواب في تعيين أعضاء مجلس الإدارة! إن الشركة بحاجةٍ إلى فريق بحريني مهني مختص ومستقل يشكله مجلس النواب ولا بأس أن يطعم بالأجانب حسب الحاجة لوضع دراسة مستقلة مهنية عن واقع ومستقبل الشركة، ويتوجب على السلطة التنفيذية الالتزام بتطبيق نتائج الدراسة المقترحة، أما القرارات الترقيعية والمسكنات فلن تصلح من أحوال الشركة، بل يجب أن تكون هناك خطة استراتيجية من خلال إطار زمني محدد. وهنا السؤال: ما هو الطريق لإنقاذ هذه الشركة الدائمة التعثر؟
 
لقد أعددنا دراسةً في العام 1997 عن أسباب الفشل الاستراتيجي الذي تعاني منه طيران الخليج، وقد توصلت الدراسة إلى أن هذا الفشل الاستراتيجي هو فشل تراكمي وليس وليد اليوم، وهو فشلٌ ظل يلازمها على مدار ثلاثة العقود الماضية، حيث كانت ومازالت الشركة تدار بعقلية سياسية بعيدة عن المهنية والاحترافية، حيث يسيطر على إدارتها التقاطعات والتجاذبات وتضارب المصالح. وعلى رغم تحولها منذ العام 2007 إلى ملكية حكومة البحرين بالكامل، إلا إنها مازالت تدار بالعقلية نفسها والمنهجية السابقة. لذا ومن منطلق نتائج الدراسة التي قمنا بإعدادها نقترح على السلطتين التنفيذية والتشريعية ما يلي:
 
أولاً: تشكيل فريق عمل مهني وليس سياسياً كما هو حاصل في اللجنة التي شكلها مجلس النواب غير المتخصصة وذات طابع سياسي، ويقوم هذا الفريق بإعداد خارطة طريق لإعادة بناء RE- Engineering طيران الخليج وليس إعادة هيكلتها RE-Structuring كما طرحته السلطة التنفيذية، وذلك من خلال وضع خطة مدتها سنتان يتم خلالها إعادة طيران الخليج إلى الكفاءة والفاعلية والتنافسية وبالتالي الربحية. ويجب عدم الخلط بين عملية إعادة البناء وإعادة الهيكلة، فالشركة تحتاج كما ذكرت إلى إعادة بناء من الصفر، كما فعلت شركة بتلكو قبل سنوات.
 
ثانياً: أن نبتعد عن تكرار أخطاء الماضي التي تم اتباعها في إعادة هيكلة الشركة والتي كانت عبارةً عن ترقيعات ومسكنات وقتية في إطار حسابات سياسية بحيث تبتعد عملية إعادة بناء الشركة عن إرضاء السياسيين ومن لفّ لفّهم، فالهدف من عملية إعادة البناء هو أن يتم إدارة الشركة بفلسفة وعقلية اقتصادية تجارية تحول الشركة إلى شركة ناجحة من خلال الحصول على أكبر قيمة من الحصة السوقية عن طريق تلبية احتياجات وتوقعات الزبائن للحصول على رضاهم وبالتالي ضمان استمرار ولائهم.
 
ثالثاً: يجب أن تكون عملية إعادة البناء كفوءة لإعادة التقييم الجذري للعمليات من أجل التوصل إلى تطوير حقيقي في مقاييس الأداء، وهي الكفاءة والجودة والخدمة والتميز والدقة في الإنجاز.
 
رابعاً: يتم الاستفادة من تجربة شركة بتلكو عندما نفذت قبل عدة سنوات، عملية إعادة بناء جدية وناجحة لعملياتها وذلك لمواجهة تداعيات كسر الاحتكار في قطاع الاتصالات.
 
خامساً: أن ترتكز عملية إعادة بناء طيران الخليج على العناصر التالية:
 
-   أن تكون هناك مرجعية واحدة فقط لفريق العمل، فتعدد المرجعيات من شأنه أن يفشل العملية.
-   أن تكون للمرجعية سلطات واسعة ولها القدرة على المرونة في العمل وسرعة اتخاذ القرار لدعم الفريق.
- أن لا توكل أي مهام إلى الإدارة التنفيذية الحالية للشركة في إطار عمل فريق العمل المتوقع إجراؤها، ويقتصر دور إدارة الشركة على توفير    ما يسهل عمل فريق العمل.
-    أن يكون فريق العمل مزيجاً من الخبرات الخارجية والخبرات الوطنية المشهورة بكفاءتها ونزاهتها ومهنيتها وبقيادة بحرينية.
-    أن يبتعد فريق العمل كل البعد عن الأفكار والآراء المتخذة سلفاً وكذلك الآراء والمناكفات السياسية.
-    تقديم كل أنواع الدعم لفريق العمل دون التدخل في تقنيات ووسائل عمله.
 
وإن كانت لنا كلمة أخيرة لابد من قولها: نطالب الحكومة باعتبارها المسئولة حالياً عن طيران الخليج بأن تضع في الاعتبار مسألة جوهرية ألا وهي أن عملية البناء المقترحة، عملية مهنية متخصصة بامتياز وهي بحاجة إلى قرار سياسي جريء وسريع ومحسوب بدقة متناهية، ويضع في الحساب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية المتسارعة، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية العالمية التي مازالت تداعياتها مستمرة على الاقتصادات الوطنية في دول كثيرة. ويضاف إلى ذلك الأزمة السياسية الداخلية التي تعاني منها مملكة البحرين منذ فبراير/ شباط الماضي. فمن يرفع الشراع؟
 
الكاتب : عيسى سيار

صحيفة الوسط البحرينية – 02 فبراير 2012م