كلما انطلقتْ دعوة أو جرى حيث عن حوار محتمل قوبل بترحاب، وهذا أمر طبيعي يتسق مع سوية الأشياء ومع الفطرة السليمة التي ترى في الحوار وسيلة لتقريب وجهات النظر ومد الجسور وبلوغ التسويات الممكنة، لكن هذا الترحاب في ظروفنا الراهنة مليء بشحنة من الحذر والقلق، لأن ولوج أي حوار يقتضي توفر أمرين، أولهما هو وجود الرغبة الصادقة المخلصة لمن سيتحاورون في أن يأخذوا بهذا الحوار إلى نتائج مثمرة، والأمر الثاني وهو وثيق الصلة بالأول يتمثل في تهيئة سبل نجاح هذا الحوار.
وفي مقدمة ذلك أن نتفق على أننا بحاجة إلى حوار وطني جدي حول القضايا التي تعني الجميع في هذا الوطن من أجل تجاوز الوضع المحتقن والتغلب على معوقات وكوابح البناء الديمقراطي والعيش المشترك والشراكة السياسية الفاعلة بين الدولة والمجتمع، وتأمين الاستقرار والأمن على أرضية تنبذ العنف في كافة صوره، وترسي الاحتكام لأساليب العمل السلمي الديمقراطي بما يعيد للبلد عافيتها المفتقدة، ويصلح من وضعها على كل صعيد.
في البلد اليوم خطابان: واحد للحوار وآخر للتأزيم، ولخطاب الحوار مريدون ودعاة في مختلف مكونات المجتمع، ممن يدركون أن مصلحة البلد هي في الخروج من محنتها الممتدة منذ نحو عام، والتغلب على الجراح التي أُثخن بها المجتمع، والذهاب إلى المستقبل بالاستفادة من التجربة المريرة التي مرت بها البلاد، والتي وقعت كل الأطراف فيها وبدون استثناء في أخطاء شخَّصها بموضوعية وحيادية تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، وهو مرجع موثوق لو أن كل الأطراف عملت بروحه بإخلاص وصدق لعجلنا من خروج البلد من الأزمة.
وبمقابل دعاة الحوار هناك دعاة التأزيم وهم موجودون في كافة الأطراف أيضاً، بين منتفعين من استمرار الأزمة، لأنها وضعتهم في مواقع لم تكن لهم وليسوا أهلاً لها، وبين من يريدون دفع البلاد نحو الهاوية جرياً وراء مشاريع مغامرة، دون التبصر في العواقب وفي حجم الخسائر والتضحيات التي وقعت وستقع والدماء التي سالت وندعو الله مخلصين ألا تسيل سواها بعد اليوم.
وتجارة دعاة التأزيم هي التخوين، فكل من يختلف معهم في الرأي والموقف هو خائن، وكان نصيب قوى التيار الوطني الديمقراطي من هذا التخوين كبير، فأسهل وأقصر طريق للهروب من المساهمة المخلصة في رسم خريطة طريق خروج البلد من محنتها هو التمترس في موقع وصم الجميع وبدون استثناء باتباع ولاية الفقيه، وأكثر من ذلك بعدم الوطنية على نحو ما تمادى أحدهم مؤخراً ممن تقلبوا بين الماركسية والماوية والماركوزية، ليرسو على لا شيء.
الفاقد للجرأة في أن يطالب بالإصلاح وانتقاد الفساد يجد ضالته لستر عجزه في كيل الهجوم على القوى الوطنية المناضلة البعيدة عن المنحى الطائفي، والتي تعبرعن الوحدة الوطنية الحقيقية من خلال وجود أعضائها ومناصريها في كافة فئات المجتمع.
المسألة الطائفية لا يمكن أن تعالج بأدوات طائفية وإنما بأدوات نافية ومتجاوزة لها، فما أسهل أن يجري التخندق في صفٍ معين، ومن هناك توصم الآخرين بالخيانة وعدم الوطنية. والتحدي الماثل أمام كل من يريد خيراً للبحرين هو أن يخرج من طائفته ليدخل في الوطن.