المنشور

اللا معنى ..جرحــنا الأكــبر….


رب ضارة نافعة ذلك اللغط الذي كان قد أثير على خلفية الخطاب المرفوع إلى عاهل البلاد من رئيس اللجنة الوطنية المعنية بتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق علي الصالح، الذي ضمنه التماسا بإعفائه من رئاسة اللجنة، فبصرف النظر عما آل إليه تاليا هذا الخطاب من عدول عن الاستقالة نزولا عند رغبة جلالة الملك، إلا انه يبقى لهذا الخطاب على الأقل ايجابية بل اثنتان، يكفينا ان نتلقاها عند حدها الأدنى.
 
 بالنسبة للأولى فان الايجابية تكمن في تذكيرنا بالشوائب التي تراكمت وتنوعت في واقعنا الراهن والتي جلها تدور حول ما يفرق ويشكك ويشوه، ويخوّن ويطأفن ويبث السموم الحاقدة، ويطلق الهواجس والمخاوف والضغائن التي لا هم للبعض إلا أن تتوسع في بسط نفوذها بالجملة والتجزئة لتثير ما لا يسر الخاطر ولا يصلح ذات البيّن ويجعل الانسان اذا لم يكن اعمى بصر فأعمى بصيرة.
 
نحسب تلك ايجابية لاسيما اذا كان التذكير يشعرنا بالحاجة الملحة والقصوى الى تبني حسابات ادق من التي لا تحتاج الى كثير من العناء ولا الى شرح يطول لتأكيد بان أوانها قد آن اليوم قبل الغد لعلنا نخفف من المآسي التي أصبحنا نتوجع منها. ونوقف التعبئة الخاطئة نحو مزيد من التصعيد والتأزيم التي تكرسها أطراف من هذا الجانب او ذاك لبلوغ أقصى درجات التعقيد والنوازع الانتقامية الفالتة من أي عقال ومن ثم الى بؤس مستدام يعطل دورة الحياة السياسية والاقتصادية والانمائية.
 
 اما الايجابية الثانية فهي تضعنا امام مشهد مسكوت عنه يصنف في خانة السوء الذي نعانيه الآن، ومنه ما يعبر عن المزايدة في مسألة الوطنية والتلذذ في القيام بممارسات تدخل في اطار المقاصد المشكوك في براءتها من كيدية ومناكفة ورمى السهام الغادرة نحو شخصيات وطنية والطعن في مواقفها وعطائها وتاريخها، تماما كما حدث لكثيرين ليس فقط ممن لا يمكن الا ان يحظوا بكل الاحترام والتقدير، بل اضافة الى ذلك الاساءة الى كل مسعى او بادرة وعرقلة كل خطوة يراد منها تجاوز كمائن التقاطع وحالة الانشطار، وتخوين من باتوا يتململون ويجاهرون بالامتعاض الشديد مما يرونه ويعيشونه يوميا من ضرب في منظومة القيم والثوابت والعلاقات والمعاملات والتعاملات والمواقف وكل ما يجعل حياتنا اكثر قتامة.
 
المهم.. والبالغ الاهمية ان ننتبه بان ثمة اطرافا لها مصلحة اكيدة في استمرار هذا الذي يجري، فهناك من لا يكون له شأن ولا يكون له اعتبار ولا رصيد معتبر الا في مثل هذه المناخات الراهنة والاوقات العصيبة، وان الاصوات التي علت ولا تزال ومارست اللمز والتشكيك والنيل من الشخصيات التي يشهد لها القاصي والداني الاخلاص ونظافة اليد ورفضها لعبثية عموم المشهد الراهن، وشطحت في الردح المبرمج، وأطلقت الاتهامات من كل حدب وصوب وفق إيقاعات صارت معروفة ومتوقعة، وكان من ضمن ما سعت اليه الإساءة الى الآخر، والرفض بقبول الرأي الآخر، والتخوين والتشكيك في الآخر ومقاطعة الآخر، وعملت على كل ما يضفي على المشهد كل عناصر الترقب والتوتر والقلق، هي ذاتها الأصوات التي في كل وقت تسارع الى قرع طبول التأزيم وابتداع العراقيل وتريد لنا ان نستسلم لخطابات التقاطع والتخاصم وجعلنا عاجزين عن رأب الصدوع، وخلق صورة منفرة للآخر، وهي ذاتها التي تصول وتجول تتحدى وتمانع وتشن الحملات لإعاقة وعرقلة كل خطوة وكل بادرة امل لوقف استمرار ما يؤذي البلد والناس واسترداد العافية، ولهذا نجد من باتوا يتبنون مشروع اطلاق وثيقة المصالحة الوطنية، ومشروع عقد لقاء وطني، ومعهم الذين أدركوا بان اللامعنى هو الجرح الاكبر والاقسى الباسط حضوره في المشهد وبادروا الى تبني تشكيلات انطلقت من ايمان بان الجوامع والمشتركات بين البحرينيين الذين باتوا منهكين بفعل ما جرى او يجري، هؤلاء هي اكثر بكثير مما يفرق، باتوا مستهدفين بصورة او اخرى، ولكن احسب ان هؤلاء مدركون بان مساعيهم هذه لن تمر بسلام من قبل تجار الفتنة من خطباء ووعاظ ورجال دين وسياسيين وانتهازيين وطارئين على المشهد، الذين لا يريدون ان يكون هناك شيء في الأفق سوى ما يفرز الشك والريبة. ويغيب الاجماع حول اي قضية وطنية، وجعل المشروع الوطني المشترك حلما بعيد المنال. او عرضة لمناقصات ومزايدات تخلو من البراءة.
 
علينا ان نفتح عيوننا جيدا وان نتنبه ونحذر من هؤلاء الذين لا يهمهم تجاوز الحالة الراهنة بل تكريسها لتبقى المناكفات والخصومات والمرارات، وهؤلاء اليوم يملكون قوة خارقة في ضخ الازمات واعادة انتاجها بطريقة اكثر ضراوة وفضاضة وفجاجة، وثمة حقيقة من السداد التذكير بها وهي ان من بين هؤلاء من يرفعون شعارات حق يراد بها باطل، شعارات تتحدث عن المصالحة الوطنية، والنسيج الوطني، والسلم الاهلي، والوحدة الوطنية، والامن الاجتماعي فيماهم واقعا يطعنون ويضربون كل تلك المعاني في الصميم، بل نجدهم يؤججون ويزجون الناس في مغبة معارك لا تخدم احدا وكأن كل واحد منهم «نيرون» يقف متفرجا على احراق البلد.
 
ذلك من بين اخطر ما ينبغي التنبه اليه والحذر منه، ويستدعي اليقظة والاستعداد من جانب من ليسوا في وارد السير بقدم الى ميدان الفتنة، فهو ميدان اصحابه ومن في معيتهم ومعهم مصطادو الفرص ايا تكن سيظلون في الشكل والجوهر يمارسون التحريض والتجييش وجعل كل مشكلة مشروع ازمة، وكل شأن وطني شأنا طائفيا. وكأن لم تعد لدينا مشتركات بيننا وثوابت نتفق عليها، ونحتشد للدفاع عنها.
 
اما الذين يتبنون مشروع مصالحة وطنية فينبغي تنبيههم بأننا لا نريد مؤتمر مصالحة وطنية يقال فيه كل شيء ولا يؤدي الى اي شيئ. ولا يؤدي الى حراك يبشر بحل ومغادرة هذا الفخ. وسيكون من الخطأ الفادح ان يظل بيننا من يتوهم انه يمكن ان تكون أمورنا وأحوال بلادنا على ما يرام حتى في الحدود الدنيا، اذا بقي هناك من هو منشغل بصناعة الخطر..!!، وسيكون الخطأ الأفدح على الإطلاق اذا بقى رجال الدين من الطائفتين ومن له مكانة او تأثير في محيطه او طائفته اما صامتا ومتفرجا او مستسلما للوضع الذي دخل في طور العبث، او مشاركا في توسيع مساحة هذا العبث، الذي بالنهاية سيوقع الجميع في حبائل الشيطان ولهؤلاء تحديدا نقول: اتعظوا واكترثوا لحال البلد ولا تعفوا أنفسكم من اي مسؤولية لهذه العتمة القاتمة التي تخيم على رؤوس الجميع.
 
الأيام   2 فبراير 2012