الدعوة أعلاه جاءت على لسان الأخت صباح جنيد في الاجتماع الأول للقاء الوطني الذي ضمه نادي العروبة نهار السبت الماضي، وهي فيما نرى دعوة تعبر عن وجدان وضمائر كتلة كبيرة في المجتمع، أجزم بأنها الكتلة الأكبر، ولكن صوتها لم يعد مسموعاً وسط الضجيج الذي يسود البحرين اليوم، والذي يريد أصحابه أن يسود منطق الغرائز المذهبية والطائفية في العلاقة بين من تضمهم هذه الأرض الطيبة.
ويكاد هذا الضجيج لشدة صخبه أن يطغى على كل نداء عاقل في الوطن يدعو إلى تجاوز المحنة، وتقليل الخسائر، وإن أمكن تفاديها كلية، لتتمكن البحرين من مداواة جروحها، ويتمكن البحرينيون من مصارحة أنفسهم حول أسباب الأزمة وسبل الخروج منها.
هذه الكتلة الأكبر، والمغيبة في حقيقة الأمر في اللحظة الراهنة، لأن البضاعة الرائجة هي بضاعة المزايدة على أنواعها وتلاوينها، بحاجة إلى من يعبر عنها وينطق باسمها، وتعبئة قواها لتكون سداً منيعاً يصد اندفاع الوطن نحو الهاوية المحدقة والتي نرى معالمها مرأى العين، لذلك فأن أي جهد خيَّر أو دعوة صادقة تنطلق هنا أو هناك من قبيل تلك المبادرة التي بدأ التحضير لها منذ نحو شهور ثلاثة، ووجدت أولى ثمارها في اللقاء الوطني الذي التئم بنادي العروبة، والتي تحتاج إلى التشجيع والدعم، للتغلب على الصعوبات الجمة التي ستواجه أصحابها وهم يتصدون للمهمة التي وضعوها على عاتقهم.
لا مستقبل للبحرين إلا في السير على طريق الإصلاح والتغيير، وهذا ليس درس هذا العام أو العام الذي قبله، وإنما خلاصة الخبرة التاريخية الطويلة لمسار التطور السياسي الاجتماعي في البحرين على الأقل منذ بدايات القرن العشرين، وهو ما أكدته التجربة المريرة التي يمر بها الوطن منذ عدة شهور، وأي مبادرة لا تضع نصب عينيها هذا الأمر لا مستقبل لها هي الأخرى، والإصلاح المنشود هو ذاك الذي يلبي الحاجة الحقيقية للمشاركة السياسية الفعالة في صنع القرار وفي توجيه خطط التنمية وفي التوزيع العادل للثروات، وتأمين مقومات الدولة الحديثة من برلمان كامل الصلاحية وقضاء عادل ومتطور ومستقل ومن حكومة تمثل الإرادة الشعبية.
لكن ثمة خلاصة أخرى من واقع تجربة شعبنا التاريخية لا تقل أهمية، وهي أنه لا إصلاح حقيقياً سينجز في مجتمع منقسم على ذاته، بالصورة التي عليها مجتمعنا اليوم، وأكبر الناس عمراً من المخضرمين في الحقلين السياسي والثقافي يجزمون أنه لم يسبق أن بلغت البحرين ما هي عليه اليوم من انقسام، وهذا أمر لا يجب الاستخفاف به، وإدارة الظهر له، ناهيك عن الإمعان في النهج الذي يعمقه ويزيده، دون الالتفاف الى نتائجه الوخيمة التي نعيشها، والتي ستزداد خطورة في المستقبل إن لم يُصر إلى تدارك الأمر بمبادرات شجاعة.
إن أخطاء جسيمة وقعت وتقع في البلاد سواء من قبل الدولة أو من قبل بعض فئات المعارضة، وفي حالات كثيرة يشعر المرء بالذهول حين نرى غياب الرغبة في الاتعاظ من تلك الأخطاء التي لا سبيل لنكرانها، عبر الاصرار في السير على النهج ذاته الذي قاد للأزمة، في الوقت الذي كان فيه متاحاً، ولا يزال متاحاً الخروج منها.