في مطلع هذا الشهر نعي رجال الأدب والثقافة في مصر والعالم العربي ولا سيما التنويرون منهم الكاتب الروائي المبدع ابراهيم أصلان..
أصلان كان شعلة مضيئة في عالم الحداثة فارق الحياة – وفق ما نشر في جريدة القاهرة الثقافية – بعد فترة مرض قصيرة اثر تناوله عقاقير طبية مقاومة لنزلة برد أثرت سلباً على عضلة القلب، خصوصاً ان أصلان كان قد أجرى عمليتي «قلب مفتوح» لكن قلبه لم يحتمل ضربة أخرى.
أصلان غادر الحياة عن عمر يناهز 77 عاماً اذ كان كما وصفه أدباء التنوير والحداثة في مصر نموذجاً للمثقف التنويري في مصر والعالم العربي. وتضيف «القاهرة» وفاة أصلان هي الأسوأ للحياة الأدبية والثقافية لهذا العام، الحق أصلان بصديقه وزميله في الجيل الستيني خيري شلبي.
من هو أصلان؟ ولد في المحافظة الغربية، ونشأ وتربى في حي «الكيت كات» بالقاهرة الذي كان لها الحضور في كل أعماله، بداية من مجموعته القصصية الأولى «بحيرة المساء» مروراً برواية «مالك الحزين» التي تحولت الى فيلم سينمائي «الكيت كات» أخرجه داوود السيد، ومن أعماله ايضاً «حكايات فضل الله عثمان» وراية «عصافير النيل «خلوة الغليان» غرفتان وصالة، شيء من هذا القبيل». وتتابع: نعاه الجميع، الشاعر حسن طلب قال ان اصلان واحد من ابرز الناس الاصلاء والطيبين المخلصين لفنهم في جيل الستينات كله، اما الروائي احمد صبري ابو الفتوح فقال: هو استاذي وشيخ الصنعة ورمز الشرف والادب في مصر المعاصرة.
منذ بدأ وهو كاتب كبير وقيمته الادبية ليست محل جدل هكذا كان يقول الروائي ابراهيم عبدالمجيد، ويقول ايضاً كانت مجموعته القصصية الاولى «بحيرة المساء» فتحاً جديداً في مجال القصة القصيرة وكان مقلاً في اعماله لأنه كان نحاتاً في اللغة، يبحث عن مفردات جديدة لكل عمل يكتبه، فكانت تأخذ منه هذه العملية وقتاً طويلاً..
أصلان كان يسكن في المقطم الى جوار الكاتب سعيد الكفراوي الذي قال: ان أصلان توفى بطريقة مشابهة لخيري شلبي الذي رحل في سبتمبر الماضي، مضيفاً من الصعب الحديث عنه في تلك اللحظة لكنه كان كاتباً محترماً وموضع تقدير من الجميع، وابداعاته تعد اضافة مهمة للأدب العربي كما رهن حياته للكتابة وللأبداع وعاش 60 عاما من الكفاح ليصل الى تلك المكانة.
اما وزير الثقافة د. شاكر عبدالحميد اعتبر أصلان واحداً من أعمدة الأدب والذي جسد مقولة الروائي الروسي الشهير «تشيخوف» العبقرية بنت التركيز، اذ تمتعت أعماله بالتكثيف والتركيز والايجاز الشديد.
اما الكاتب محمد سلماوي رئيس كتاب مصر فقال: ان رحيله خسارة كبيرة للادب وللمثقفين في مصر والوطن العربي في وقت نحن في امس الحاجة لمثل هذه القامات التنويرية الكبرى. وان ادب أصلان باقٍ لأنه من الآداب التي تعيش عبر العصور..
أصلان كان إنسانا بمعنى الكلمة، تجسيداً لفكرة ان الاديب الفنان ينبغي ان يكون انساناً راقياً نبيلاً في اخلاقه. وتستطرد «القاهرة» وتقول: لم يحقق اصلان تعليماً منتظماً منذ الصغر فقد التحق بالكَّتاب ثم تنقل بين عدة مدارس حتى استقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد، لكنه تركها الى الدراسة بمدرسة صناعية، التحق اصلان في بداية حياته بهيئة البريد وعمل لفترة كبوسطجي ثم في احد المكاتب المتخصصة للبريد وهي التجربة التي ألهمته مجموعته القصصية «وردية ليل»، التحق في اوائل التسعينات كرئيس للقسم الادبي بجريدة الحياة اللندنية وواجه أصلان قبل عشر سنوات ازمة كبيرة بسبب قيامة بنشر رواية «وليمة لأعشاب البحر»، لحيدر حيدر في سلسلة آفاق عربية التي كان يرأس تحريرها، وتزعمت صحيفة الشعب التي كانت تصدر عن حزب العمل من خلال مقالات الكاتب محمد عباس حملة على الرواية حيث اعتبرها الكاتب تمثل تحدياً سافراً للدين والأخلاق.
في حينها كتب وائل الابراشي في «روز اليوسف» وتحديدا في يناير عام 2000: بدا واضحاً الآن ان حزب العمل يلعب بكرتين ناريتين كرة التكفير السياسي والتخوين الوطني وكرة التكفير الديني، ويسعى قادة الحزب – الذي اصبح غطاء لإخوان المسلمين المتطرفة والمحظورة – الى الحصول على مكاسب حزبية والدخول في مساومات وصفقات سياسية من خلال التهديد بإثارة الفوضى والاضطراب واشعال الفتن باستخدام الكرتين الناريتين. ولكن يبدو ان المارد خرج من القمقم ولم يعد بالامكان السيطرة عليه بعد المظاهرة الهمجية التي قادها الحزب وصحيفته لتكفير وزير الثقافة فاروق حسني والمبدع السوري حيدر واربعة مثقفين مصريين من بينهم المبدع ابراهيم اصلان.
حصل اصلان على عدد من الجوائز منها: جائزة طه حسين من جامعة المنيا عن رواية «مالك الحزين» عام 1989، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2004، وجائزة كفافيس الدولية عام 2005، وجائزة ساويرس عام 2006، ورشح قبل ايام لنيل جائزة النيل من قبل اكاديمية الفنون.
لقد مات أصلان وهو لم يصارع المرض فقط بل أعداء ثقافة التنوير وهي الرسالة التي ستظل باقية لتجعل الحياة أكثر تجديداً.
ألأيام 28 يناير 2012