أثارت في نفسي مشاعر الحزن والتعاطف، المأساة الإنسانية التي تعرض لها أربعة عمال أسيويين بتاريخ 24 يناير 2012 والتي قضوا فيها نحبهم وهم نيام داخل سكنهم في منطقة الهملة بسبب استنشاقهم لغاز ثاني أكسيد الكربون الناجم عن إشعالهم الفحم بقصد التدفئة من برودة الطقس الذي كان شديداً في ذلك اليوم.
أربعة من العمال الذين أتوا إلى البحرين متغربين عن بلدانهم من أجل إعالة عائلاتهم يرحلون عن الدنيا في ليلة واحدة وفي حادث مأساوي ويتركون ورائهم عائلاتهم التي تغربوا من أجل أعالتها من دون معيل.
من المسئول عن وقوع هذا الحادث المأساوي ؟ قد يقال بأن العمال قد أخطئوا بتركهم الفحم يشتعل وهم نيام مما تسبب في اختناقهم ولكن هذا ما هو إلا السبب الظاهر والمباشر أما في الحقيقة فأن سبب وقوع الحادث يتجاوز العمال ليطال المنظومة التشريعية التي ترسي ظروف وشروط عمل و حياة العمال الأجانب في البحرين.
فتردي أجور العمال الأجانب التي يتقاضونها من وراء عملهم والتي لا يحصلون من وراءها إلا على الفتات على سبيل المثال عمال قطاع الإنشاءات و شركات الإنشاءات الكبيرة منها على وجه الخصوص ، وغياب التشريع الذي يعنى بتحديد الحد الأدنى لأجر العامل الأجنبي ، إضافة إلى طول ساعات العمل التي تتجاوز فعلياً في بعض القطاعات في أحياناً كثيرة أثنى عشر ساعة في اليوم ومن دون أي مقابل عن ساعات العمل الإضافية .
وما ترسيه آليات نظام الكفيل التي يعمل العامل الأجنبي في ظلها من علاقة بين صاحب العمل والعامل وتحدد الظروف التي يبيع في ظلها العامل الأجنبي قوة عمله وهي آليات ترسي علاقة غير متكافئة تقوم على أساس الخضوع والتحكم والابتزاز ويكون فيها العامل الأجنبي هو الطرف الأضعف وتستخدم من قبل بعض أصحاب العمل لسرقة جهد العامل الأجنبي وتعبه.
في ظل هذه الفوضى التشريعية وأحياناً في ظل التواطؤ من قبل الأجهزة الحكومية المسئولة عن تطبيق القانون يكدس أرباب العمل الملايين ويمتلكوا ناطحات السحاب في حين يتعرض العمال وعائلاتهم للموت اختناقا وأحياناً جوعاً وأحياناً مرضاً هم من كانوا السبب في تكديس هذه الملايين.
أن الدولة ممثلة في الحكومة وأجهزتها المعنية بإنفاذ القانون مسئولة عن التحقق من التزام أصحاب الأعمال وخاصة تلك الشركات التي تمتلك عمالة وافدة كبيرة بتطبيق القانون فيما يتعلق بعدد ساعات العمل وعدم استغلال العامل الأجنبي وابتزازه وإجباره على العمل أكثر من الساعات التي يقررها قانون العمل والتحقق من التزام أصحاب العمل بتطبيق شروط السلامة التي تحمي العمال من الحوادث أثناء العمل وفي محل سكناهم ومحاسبة ومعاقبة من يثبت مخالفة لهذه التشريعات.
والحكومة أيضاً مسئولة إلى جانب مجلس النواب عن تطوير التشريعات العمالية وسد الثغرات التي يمكن أن تؤدي إلى وقوع مثل هذه الحوادث و إلى أنسنة الظروف التي يعمل في ظلها العامل الأجنبي والتي هي اليوم أقرب إلى نظام السخرة منها إلى نظام عمل في مجتمع حديث تحكمه التشريعات واتفاقيات حقوق الإنسان .
أن من وأجب ومن مصلحة المجتمع البحريني ممثلاً في مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات سياسية وجمعيات حقوقية وبشكل خاص اتحاد نقابات عمال البحرين من واجبها جميعاً ومن مصلحتها الضغط من أجل انضمام مملكة البحرين إلى الاتفاقيات التي تعني بحقوق العمالة المهاجرة.