استكمالاً لحديث الأمس حول المرسوم الخاص بإنشاء الصندوق الوطني لتعويض المتضررين، نشير هنا إلى القرار الذي اتخذته اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق بتكليف فريق المصالحة الوطنية باقتراح ما من شأنه الإسراع في تعويض المتضررين نتيجة أحداث فبراير ومارس الماضيين وما تلاهما، وخصوصاً تعويض عائلات المتوفين.
وفي هذا السياق، نود التوقف أمام دراسة لعضو اللجنة المركزية للمنبر التقدمي المحامي حسن إسماعيل حول الموضوع، توقف فيها أمام اشتراط المرسوم الخاص بتعويض الضحايا حصول المتضرر من الأحداث على حكم جنائي باتٍ في مواجهة المتسبب في الضرر، ليؤكد ما خلصنا إليه أمس أن المدخل القانوني، على أهميته، لن يكون كافياً وحده لعلاج المسألة بطريقة تؤدي إلى مصالحة فاعلة تساهم في خروج البحرين من الأزمة السياسية التي تعصف بها.
وحسب دراسة المحامي إسماعيل فانه ليس من اللازم أو الضروري، على سبيل المثال، لمن كان في الحبس الانفرادي أو في الحبس الاحتياطي لفترات طويلة دون محاكمة أو من اعتقل تعسفياً، أو من تم القبض عليه وتفتيش منزله خلافاً للقانون، أو من حصل على حكم ببراءته، أو من تم حفظ قضيته أو التنازل عنها، أن ينتظر صدور حكم جنائي في مواجهة من تسبب في كل هذه الحالات، فضلاً عن ذلك فان كثيراً من الأفعال قد ترتكب بطريق الخطأ ولا يتوافر فيها القصد الجنائي كركن أساسي من أركان المسؤولية الجنائية اللازم لصدور حكم جنائي ضد مرتكب الفعل.
لذلك، فإن اشتراط المرسوم صدور إدانات نهائية ضد المتسبب في انتهاكات حقوق الإنسان حتى يتمكن المتضرر من الحصول على التعويض، لا ينسجم مع أحكام المادة 9 الفقرة (5) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي نصت على انه «لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض» وهذا الحكم ينطبق على كافة حالات الاحتجاز أو الاعتقال بصورة غير شرعية أو تعسفية، ولا يشترط صدور حكم جنائي ضد مرتكب الفعل، كما انه من جهة أخرى لا يحقق بصورة ناجزة روح التوصية الواردة بهذا الخصوص في تقرير بسيوني.
إن الهدف الأساسي من سياسة التعويض هو إحقاق العدالة للضحايا، بما يشمله ذلك من إدماج عناصر الاعتراف بالضحية ورد كرامته وإعادة بناء الثقة بين المواطنين بعضهم البعض، وبين المواطنين ومؤسسات الدولة، وإرساء التضامن الاجتماعي، وأمام ما أوضحه تقرير تقصي الحقائق من انتهاكات أصبح واجباً ضمان حقوق الضحايا وتهيئة الظروف الملائمة لصيانة كرامتهم وتعويض أقصى ما يمكن منهم بهدف توفير استجابة شاملة وكاملة قدر الإمكان.
وحسب الدراسة فان مفهوم التعويض ينطوي على عدة وسائل من بينها التعويض المباشر ورد الاعتبار لمساندة الضحايا معنوياً وفي حياتهم اليومية، كما أن هناك مجموعة واسعة من الإجراءات الرمزية لجبر الضرر والتي يمكن أن تؤخذ كذلك بعين الاعتبار مثل الاعتراف الرسمي بما جرى من انتهاكات لحقوق الإنسان.
إن مثل هذه الاجرءات يمكن أن تصل إلى فئات واسعة، بما يشجع الذاكرة الجماعية ويوحدها ويخلق أسساً للتضامن الاجتماعي، ويجعل منها إحقاقاً شاملاً ومتعدد الأوجه للعدالة.