في أحد الأعداد الأخيرة من مجلة “الحياة الثقافية” التي تصدرها وزارة الثقافة في تونس مَلفٌ مهم عن ثقافة المواطنة، وأهمية هذا الملف لا تأتي فقط من أهمية الموضوع الذي يُعالجه، وإنما أيضاً من علاقة هذا التناول بالأسئلة التي تطرحها التغيرات الدراماتيكية في العالم العربي خلال الشهور الماضية، والمخاض الذي نعيشه الآن، الذي ليس بوسع أحد أن يجزم بصورةٍ باتةٍ عما سيسفر على وجه الدقة، فوقائع الحياة ومساراتها هي في الغالب أغنى من التخطيطات النظرية المجردة.
لذا فان واضعي الأبحاث المنشورة في الملف المذكور لم يتوقفوا عند حيثيات الوضع الداخلي في تونس، باعتبارها مختبراً نموذجياً للتحولات الجارية ولما يمكن أن تفتحهُ من آفاق في هذه الوجهة أوتلك، وانما طرحوا الموضوع من زاوية عامة تصلح للقياس على الوضع العربي العام، وبالتالي فهناك ما يمكن أن نستفيد منه نحن في البحرين أيضاً، ونحن نتحدث عن وضعنا الراهن وعن سبيل الخروج من مناخ الأزمة إلى أفق الحل.
لمزيدٍ من تقريب الفكرة يمكن أن نشير إلى بعض عناوين هذا الملف، فهو على سبيل المثال يناقش مسائل من نوع: المواطنة في ميزان العقل والنقل ونظرية الرموز الثقافية، الانتقال الديمقراطي والمواطنة، المواطنة الايجابية، المواطنة والعولمة:التوافق والتعارض، ثقافة المواطنة، المواطن والمدينة في الاسلام، السلطة السياسية ومسألة الشرعية.
ولن يتسع حيز صغير مثل هذا لبسط الأفكار الواردة في أبحاث الملف، ولكن ما هو جدير بالتوقف أمامه أكثر من غيره هو ذلك النقاش عن جدلية العلاقة بين قضايا التحول الديمقراطي في أي مجتمع وبين مفهوم المواطنة كما تقره المواثيق والمعاهدات الدولية، لأننا هنا بصدد مفهوم معياري لا يحتمل تأويله مزاجياً، وإنما العمل وفق روحه ونصه في عالم اليوم المترابط والمتشابك بصورة لم نشهدها من قبل.
يذهب الباحث التونسي المشارك في هذا الملف محمد بالراشد إلى ان المواطنة هي جوهر الديمقراطية، فلا ديمقراطية بدون مواطنة تعبر عن نفسها بالمشاركة الطوعية للأفراد في الشأن العام، وهذا يقتضي توفير مناخ هذه المشاركة للجميع سواء عبر التعددية السياسية أو التعددية الاجتماعية، وهنا نصير أمام أحد شروط الانتقال الديمقراطي ألا وهو ضمان التنوع والاختلاف والتعددية، لأن طغيان اللون الواحد والمنطق الواحد والتفكير الواحد من شأنه أن يخل بأهم شروط المشاركة.
وفق هذا الفهم فان المشاركة تعبير عن الثقة في الذات وتجسيد للتمتع بالحقوق والواجبات، ولكنها في نفس الوقت إعتراف بأن للآخر مهما كانت اختلافاتنا معه رأي في الشأن العام، وان له نفس الحقوق التي لنا، فالمواطنة ليست مجرد جنسية أو وضعية قانونية يُعترف فيها للفرد بحقوق، ثم يجري تقييدها بقوانين أو تشريعات أو ممارسات تفرغها من جوهرها، أو بغياب فكرة التسامح التي تتطلب من الجميع القبول بالعيش في مجتمع متعدد الانتماءات والهويات، وكما يقول الباحث نفسه فإن “التسامح متعلق بالأفكار وليس بالشتائم وبالاعتداءات أو الأفعال الإجرامية”.
وينبني على هذا ان الانتماءات الفردية أو الفرعية يجب ألا تؤثر سلباً على العيش الجماعي، فالانتماءات الضيقة تجعل الذات متمركزة حول نفسها، مما يعيق تواصلها مع الآخر.
22 يناير 2012