المنشور

المصالحة الوطنية


إن الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في ظل الأوضاع الراهنة يتطلب وبشكل لا يقبل التردد والتلكؤ العمل الجاد لتحقيق المصالحة الوطنية ولا يمكن المضي قدماً في هذه المصالحة إلا بتوافق الجميع على هذا المطلب الملح للخروج من الأزمة السياسية.
 
 ما يشهده المجتمع البحريني اليوم من مبادرات تدعو للمصالحة سواء كانت تلك التي أطلقها مجلس الشورى أو الائتلاف الوطني من اجل البحرين أو الملتقى الوطني الاجتماعي من اجل المصالحة الوطنية أو أية مبادرات أهلية أخرى جميعها محط تقدير لاعتبارها مبادرات وطنية مسؤولة تسعى جاهدة لإعادة اللحمة الوطنية الى سابق عهدها. ولا شك انها حينما تدعو الى ذلك فانها تدفع نحو تكريس قيم التسامح والتآخي وإعادة الثقة بين مكونات المجتمع البحريني بغية إرساء قواعد الاستقرار والسلم الاجتماعي.
 
كيف نهيئ الأرضية المناسبة للمصالحة؟ سؤال يضعنا جميعا في دائرة المسؤولية وتحديداً المجلس التشريعي والحكومة والجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، لان ما لم يكن هناك توافق من قبل الجميع للخروج من الأزمة السياسية الطاحنة التي انعكست تداعياتها وسلبياتها على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية والسياحية فاننا سوف ندور في حلقة مفرغة.
 
اذن وبصريح العبارة لا سبيل أمامنا اذا ما أردنا الخروج من هذه الأزمة إلا بالحوار الوطني بما يخدم المجتمع والوطن. ومن هنا فالمصالحة الوطنية والحفاظ على مكتسباتنا الوطنية وتطوير العملية الاصلاحية على كافة الصعد يفتح الباب واسعا امام وحدتنا المجتمعية والوطنية.
 
ولا شك أن اول الطريق لهذه المصالحة يبدأ من تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بوصفها المسار الصحيح الذي تم التوافق عليه من قبل غالبية اطراف المجتمع، واما التشكيك في تلك التوصيات وكذلك في اللجنة الوطنية المتابعة لتنفيذها فهذا استغراب وتعجب لان توصيات بسيوني حظيت بتأييد واسع على الصعيدين الرسمي والاهلي، ومن هنا فلابد من الاشارة الى كلمة جلالة الملك التي القاها في الثالث والعشرين من نوفمبر 2011 اثناء تسلمه تقرير اللجنة المذكورة: نؤكد لكم ان تقريركم هذا يمنح بلادنا فرصة تاريخية للتعامل مع أهم المسائل واشدها الحاحاً. فالمسؤولون الذين لم يقوموا بواجباتهم سيكونون عرضة للمحاسبة والاستبدال. وفوق ذلك كله سنضع وتنفذ الاصلاحات التي سترضي كافة اطياف مجتمعنا وهذا هو الطريق الوحيد لتحقيق التوافق الوطني ومعالجة الشروخ التي اصابت مجتمعنا، اننا على ثقة بوعينا جميعا بان هذا اليوم، يوم الصفحة الجديدة في تاريخنا».
 
 اذن لماذا كل هذا التشكيك في التوصيات؟ أليست هذه التوصيات الجسر الذي نعبر عليه للوصول الى محطة المصالحة الوطنية التي ننشدها جميعا؟ لماذا نتعامل مع تلك التوصيات كما لو انها لمصلحة طرف دون آخر؟ ولماذا التشكيك في اللجنة الوطنية المعنية بتنفيذ التوصيات؟
 
على العموم كما أوضحنا سلفا ان التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم يتمثل في استكمال تنفيذ توصيات بسيوني بمعنى كلما أنجزنا هذه التوصيات ساهمنا في حل الأزمة وفي توطيد أركان المصالحة الوطنية البداية الحقيقية لإصلاح أوضاعنا الداخلية وهذا ما يفسر لنا الأهداف التي انطلقت منها المبادرات الأهلية التي تعمل وبإصرار على نجاح المصالحة الوطنية، وحول هذا الشأن نتوقف عند النائب البرلماني السابق واحد مؤسسي الملتقى الوطني الاجتماعي من اجل المصالحة الوطنية يوسف زينل الذي صرح لجريدة «الايام» قائلا: ان المصالحة الوطنية لا بد ان تأخذ مجراها شاء ام أبي المتأزمون والطائفيون أو غيرهم ممن قلبهم لا يخفق لحب الخير والامن الاجتماعي لهذا البلد، ان المصالحة الوطنية بحاجة الى مقدمات وبحاجة الى ارضية تمهد لها وبحاجة إلى قدر كافٍ من الهدوء والسكينة، سواء في الشارع أو من قبل الجهات الرسمية». وفي نفس السياق، قال احد مؤسسي الائتلاف الوطني من اجل البحرين بالمنطقة الوسطى د. علي البقارة: ان اهم الاهداف التي ينبغي تحقيقها من هذه التجمعات الاهلية هي تعزيز التسامح والمحبة وتعزيز الطيبة بين افراد الشعب والعمل على تقوية العلاقات وتعزيز الديمقراطية واحترام الرأي الآخر والشفافية وتعزيز ما جاء به المشروع الإصلاحي لجلالة الملك منذ الألفية الثانية».
 
خلاصة القول، اذا ما اردنا تحقيق المصالحة الوطنية فلا سبيل أمامنا سوى الانطلاق من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصى الحقائق الذي ينص في البند (ب) من الفقرة (1725) على «توصي اللجنة حكومة البحرين بضرورة اعداد برنامج للمصالحة الوطنية يتناول مظالم المجموعات التي تعتقد انها تعاني من الحرمان من المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية بغية ان تعم الفائدة منها على كافة طوائف الشعب البحريني».
 
الأيام 21 يناير 2012