مصلحة البحرين ومستقبل شعبها، وآفاق الاستقرار والتنمية والعيش المشترك لأبنائها من مختلف التنويعات مرهون بالنجاح في المضي على طريق المصالحة الوطنية، وهناك العديد من التجارب التي يمكن أن نتعلم منها في هذا الاتجاه، رغم تفاوت ألأوضاع واختلافها بين بلدنا والبلدان الأخرى، لكن العبرة في جوهر الموضوع، لا في التجليات التي يعبر عن نفسه من خلالها.
بل أن في مثل هذه المقارنة بين وضعنا وبين تجارب البلدان الأخرى في هذا المجال ما يحسب لصالحنا، فعلى الرغم من فداحة ما جرى ويجري عندنا على مختلف الأصعدة، ألا انه لا يقارن من حيث الحجم والاتساع والتداعيات مع ما شهدته بلدان أخرى مثل جنوب أفريقيا والتشيلي والأرجنتين وسواها من البلدان، وهناك تجارب قريبة من تجربتنا جديرة بأن نقتدي بها ونتعلم منها كما هي التجربة المغربية مثلاً.
في جنوب أفريقيا استطاع الزعيم الوطني الكبير نيلسون مانديلا أن يعبر ببلاده من جحيم التمييز العنصري ومخاطر الحرب الأهلية المدمرة إلى أفق التسوية التاريخية من خلال حل شجاع وعادل حينما عُهد إلى القس المناضل ضد العنصرية “ديزموند توتو” رئاسة “لجنة المصالحة والحقيقة” للتحقيق العادل والعلني مع المتهمين في جرائم القمع والقتل خارج القانون، على أن تكون لهذه اللجنة مهمة الصفح عن هؤلاء مقابل اعتذارهم لضحاياهم.
استلهمت المغرب هذه التجربة، حين شكل الملك محمد السادس لجنة الإنصاف والمصالحة في مطالع عام 2004، التي كان من ضمن مهامها تقرير تعويض ضحايا القمع في مراحل سابقة، وقد ترك نجاح هذه التجربة آثاراً بالغة الأهمية في الحياة السياسية المغربية، وكذلك على الصعيد الإنساني، وساعدت هذه التجربة على تمكن المغرب من المضي في المزيد من الإصلاحات السياسية المهمة، جعلت منه النموذج الأكثر تقدماً بين تجارب الملكيات الدستورية في العالم العربي التي تحظى بقبول شعبي وسياسي واسع.
بطبيعة التوصيات التي خلص اليها تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة المستشار بسيوني والتي يتصل بعضها بموضوع المصالحة الوطنية، تتشكل في البحرين قاعدة يمكن الركون إليها في ولوج طريق المصالحة الوطنية، من خلال معالجة ملف جرائم الاستخدام المفرط للقوة والقتل خارج القانون، وإيجاد آلية مستقلة للتحقيق فيها، وكذلك تعويض الضحايا وذويهم مما لحق بهم من عسف، على أن تشكل هذه المعالجة منطلقاً لحل سياسي شامل في البلاد، يقطع مع جراح المرحلة الراهنة التي ما نزال نعيش تداعياتها المؤلمة حتى الساعة.
والحل السياسي على أهميته يتطلب تهيئة أرضيته من خلال معالجة القضايا ذات الطابع الإنساني، وهناك خطوات بدأت في التحقق من قبيل إعادة أعداد من المفصولين إلى أعمالهم في القطاعين الحكومي والخاص، وهي خطوات ستظل ناقصة إن إستثنت أحداً ممن شملتهم إجراءات الفصل على خلفية الأحداث التي شهدتها البلاد، وكذلك معالجة ملف المعتقلين والسجناء، وفق النص الوارد في تقرير لجنة بسيوني بمراجعة الأحكام التي صدرت عن محاكم السلامة الوطنية، خاصة وأن مرسوم السلامة الوطنية نفسه قد حولته الحكومة إلى المحكمة الدستورية، تنفيذاً لتوصية لجنة بسيوني التي طرحت شبهات حول دستوريته.