الأمنيات السعيدة هي الكلمة التي تحملها إلينا التهنئات بالعام الجديد. ففي حضرة اللحظة الفاصلة بين عامين يتمنى الناس لبعضهم بعضاً أن يكون العام الجديد أفضل من العام الآفل، وأن يكونوا في صحة وسعادة. حتى في أقصى لحظات سعادتنا نكون مسكونين بأمنية أن تدوم هذه السعادة.
حتى استعادتنا المُرة للحظات السعيدة التي عبرت في سنوات مضت هي معادل آخر للأمنيات، وتعبير عن الرغبة في أن يحمل المستقبل لحظات مشابهة لتلك التي عبرت. نهرب من رتابة الحاضر إلى المستقبل بالأمنية، وإلى الماضي بالذكرى. ونخاف على سعادة الحاضر فنتوسل المستقبل أن يحافظ على هذه السعادة ويبقيها دائمة. في اللحظة التي تنقلنا من عام إلى عام يسكننا الهاجس الحميم، الخاص جداً. أحلامنا الكبرى مؤجلة أو قابلة للتأجيل، لأنها أحلام عامة يشترك فيها الجميع. لكن ما من لحظة نؤوي فيها إلى ذواتنا كتلك اللحظة، حين نكون في حال من الشفافية المرهفة أمام ذواتنا، إنها لحظة حاسمة من لحظات التمني للرغبات الحقيقية.
لدى بعض الشعوب اعتقاد أشبه باليقين أن الطريقة التي نستقبل بها العام الجديد في لحظة انبلاجه هي تلك التي ستحدد الطريقة التي سيكون عليها هذا العام. إن كان مزاجنا سعيدا في لحظة الانبلاج، فإن السعادة ستغمرنا في شهور العام التالية، وإن كان المزاج مشوبا بالحزن أو القلق فإن عامنا الجديد سيحمل شيئاً من هذا الحزن أو القلق. لكن الناس إزاء الرغبة في السعادة تغلب التفاؤل دائماً، بأن هذه السعادة في الانتظار عند أحد مفارق الآتي. من طبيعة الإنسان أن يكون نابذاً للتشاؤم والكآبة، حتى أشد الناس ميلاً للحزن يحملون في ذواتهم رغبة أشبه بالثقة الغامضة في أن الحياة ستكافئهم بأيام سعيدة. ويحدث أن الخاص جداً يتقاطع مع العمومي في بعض لحظاته، كما هو حالنا في هذه اللحظة، حيث يعيش وطننا الحبيب جواً محتقناً ومشحوناً، يلقي بظلاله الكئيبة على أشد مشاعرنا خصوصية، لذا فإن أبصارنا تتوجه نحو ما يحمله العام الجديد، محمولة على الرجاء بأن يجلب هذا العام السكينة والطمأنينة للجميع، وأن تُستعاد وحدة المجتمع التي تصدعت، وأن يتحقق لشعبنا ما يصبو إليه من إصلاح وتطور وتقدم، في مناخ آمن من التوافق والأخوة.
نعلم أن هذه الشحنة الرومانسية من الآمال لن تتحقق من تلقاء نفسها، وأن جهداً كبيراً يجب أن يُبذل من قبلنا جميعاً، من أجل أن تعاود سفينة الوطن الإبحار وسط رياح ملائمة، وأن يفرد هذا الوطن جناحيه الذي لا غنى له عن احدهما، فالطائر لا يطير بجناحٍ واحد في مطلق الأحوال، وتظل الثقة قائمة في أن على هذه الأرض الطيبة من الأصوات والعقول الحكيمة التي تدرك ما يحيق بالوطن من مخاطر، فتعمل على تهيئة سبل احتواء الأزمة التي تعصف بنا.
وليس من رغبة أصدق في النفس من أن يتحقق لهؤلاء ما همن جادون ومخلصون في سبيله، فهم ضمير هذا الوطن ومجس نبضه السوي، حتى نستعيد البحرين التي كانت، حيث تجمع الناس طموحات مشتركة، وتصهرهم جهود مشتركة من أجل البحرين التي تحتضن كل أبنائها، والتي صنعت نسيجها الوطني من خلال غنى تنوعها، وثراء الروافد التي منها تشكلت.