يعد سلاح العقوبات أحد الأسلحة “الفتاكة” التي تحتكم إليها الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها القوة العظمى الأولى في العالم وأحد الأسلحة الأثيرة إلى قلب طبقتها السياسية .
والعقوبات الاقتصادية قد تفرضها دولة أو مجموعة من الدول ضد دولة أخرى لأسباب شتى، وهي تشمل، ولا تقتصر على، فرض رسوم جمركية، فرض معوقات تجارية، فرض رسوم واردات، أو تحديد حصص الواردات أو الصادرات . ولعل العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة ضد كوبا منذ 51 عاماً أشهر وأسطع نموذج على مثل هذه العقوبات على مر التاريخ . وتختلف فرص نجاح حزمة العقوبات الاقتصادية من حالة إلى أخرى . وبالإجمال يقدر المختصون في قضايا العقوبات الاقتصادية نسبة نجاح العقوبات الاقتصادية ما بين 5-30%، وهي تستخدم خياراً بديلاً للحرب، حيث إن خيار الحرب مكلف والعقوبات أقل كلفة من الحرب، ولكنها ليست خالية الأكلاف، ذلك أن لها تأثيراً أيضاً في الدولة الفارضة للعقوبات .
فحين يفرض حظر على الواردات من دولة معينة فإن المستهلكين في الدولة الفارضة للحظر سيتأثرون بتقلص خياراتهم الشرائية وارتفاع أسعار السلع البديلة، وفي حالة الحظر على الصادرات فإن المصدرين في الدولة الفارضة للعقوبات سيخسرون فرص التعاقدات التجارية والاستثمارية مع الشركاء في الدولة الخاضعة للعقوبات .
ومنذ الحرب العالمية الثانية أصبحت العقوبات الاقتصادية سلاحاً مشهراً للولايات المتحدة تهدد به كل من لا يحقق مصالحها حتى أصبحت أكثر الدول استخداماً في العالم لسلاح العقوبات الاقتصادية وأكثرها مبادرةً لفرضه سواء من جانب واحد أو عبر التحشيد الدولي لإقراره من خلال المنظمات الدولية لاسيما الأمم المتحدة .
ولدى الولايات المتحدة نوعان من العقوبات، النوع الأول تجاري والنوع الثاني اقتصادي . أما العقوبات التجارية فتشمل حرمان الدولة المستهدفة بالعقوبات مما تسميه الحكومة الأمريكية برامج المعاملة التفضيلية مثل وضعية الدولة الأولى بالرعاية وحرمانها من قروض التوريد والتصدير البنكية التي تُمنح للدول الصديقة لأمريكا . وتُفرض مثل هذه العقوبات على دول تتهمها الولايات المتحدة بإغلاق أسواقها أمام السلع الأمريكية، وقد طُبّق هذا النوع من العقوبات على الصين، ودول أخرى اتهمتها واشنطن بأنها تبيع أسلحة لأنظمة مغضوب عليها من الولايات المتحدة، حيث فرضت واشنطن، على هذه الخلفية، عقوبات على باكستان، أو تتهم واشنطن حكومة ما بانتهاك حقوق الإنسان مثل ميانمار (بورما سابقاً) .
وتستخدم الولايات المتحدة العقوبات التجارية كوسيلة ضغط وتأديب رسمي قاسٍ ضد دولة ما لثنيها عن إجراءات أو سياسات تجارية أو اقتصادية اتخذتها، وهي بهذا المعنى لا تهدف لتغيير أو إزالة نظام الحكم في الدولة المستهدفة بالعقوبات . إنما إذا فشلت العقوبات التجارية حينها تلجأ واشنطن إلى العقوبات الاقتصادية التي يصادق عليها الرئيس الأمريكي وتستهدف تغيير النظام . وهي تشمل الحظر التجاري وحظر التحويلات المالية والحرمان من الحصول على قروض من المؤسسات المالية الأمريكية، وكذلك الحرمان من الاستثمار في الأصول الأمريكية . ولأن العقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة من جانب واحد على دولة معينة أقل فاعلية من العقوبات الاقتصادية المتعددة الأطراف، فإن الولايات المتحدة تقوم في هذه الحالة بفرض عقوبات (من جانب واحد) على دولة أو شركة تتعامل مع الدولة المعاقَبة اقتصادياً، فتتحول العقوبات بهذه الطريقة من محض أمريكية إلى دولية . وقد انشأت الولايات المتحدة خصيصاً لهذا الغرض قانوناً في مارس/ آذار 1969 أسمته قانون هيلمز-بيرتون .
ومع أن اللافت أن العقوبات الاقتصادية تلحق أضراراً بالشركات الأمريكية نفسها، حيث يزداد عدد الشركات الأمريكية التي تعبر عن امتعاضها من آثار هذه العقوبات في نشاطها ومنها غرفة التجارة الأمريكية التي تتحسر على تحول عقودها وأرباحها المفترضة إلى شركات أخرى، مع ذلك فإن من المتوقع أن يزداد استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية من جانب الولايات المتحدة، خصوصاً مع تراجع قوة تأثير الأوراق الأخرى الاقتصادية والعسكرية.
حرر الأربعاء 28 ديسمبر 2011