كالعادة كل عام يصدر فيه تقرير ديوان الرقابة المالية وعلى مدى ثماني سنوات يتوعد النواب بمحاسبة الوزارات والهيئات الحكومية التي شهدت طيلة تلك السنوات تجاوزات مالية وإدارية كثيرة!! وفي هذا العام لا يختلف الحال ما أن صدر التقرير المثقل بالمخالفات حتى بدأ أصحاب السعادة يهددون ويتوعدون تلك الجهات المخالفة. ويا ريت هذه التهديدات التي نسمعها وبصوت مرتفع في المجالس الخاصة أن تستمر وتنفذ في «بيت الشعب» وان يكون هناك توجه ملموس فاعل للرقابة والمحاسبة للوقوف بحزم في وجه كافة تلك التجاوزات وإلا ستصبح هذه التهديدات ظاهرة عارضة او كما يسميها البعض «زوبعة في فنجان».
على أي حال وإذا كان لأصحاب السعادة الأفاضل الذين نكن لهم كل الاحترام مشروع يهدف الى تحقيق مثل هذا التوجه او باختصار مشروع يترجم تلك التهديدات التي غدت ظاهرة صوتية في المجالس الخاصة، فإنه من الأهمية أن تتفاعل اللجنة البرلمانية التي شُكلت لهذا الغرض تفاعلاً حقيقياً مع جهود ديوان الرقابة المالية والإدارية التي تستحق الثناء والتقدير لانجازاته الشفافة والملحوظة على صعيد الحفاظ على المال العام وحمايته من التجاوزات والهدر. ولا يملك أي مراقب وطني إلا ان يدفع في اتجاه ما أكد عليه رئيس مجلس النواب « ان مجلس النواب سيتعامل مع التقرير وفق مواد الدستور والقانون وسيتم إحالته للجنة المختصة، وسيقوم المجلس بدوره المناط به في الرقابة بكل مسؤولية وأمانة».
حقيقة تقرير هذا العام والتقارير السابقة تؤكد واقعاً من المخالفات لا يمكن تجاهله وبالتالي كيف نتعامل مع هذا الواقع، سؤال نضعه في مقدمة الاسئلة. في البدء اذا ما ألقينا نظرة سريعة على تقرير عام 2010 فليس من المبالغة أن نقول إن ما اشار اليه بشأن الدَّين العام يثير أكثر من علامة تعجب واستفهام خاصة أن هذا الدين قد بلغ مليارين و871 مليون دينار، والادهى من ذلك ما أشار اليه ان «قسم السيولة والَّدين العام بوزارة المالية يقوم بمتابعة حساب ذلك الدَّين وإعداد الكشوف ولوحظ عدم وجود مراجعة مستقلة لهذه الكشوف رغم أهميتها».
يا جماعة في كل التقارير التي صدرت ما أكثر التفاصيل التي تعبر وفي أكثر من موقع حكومي عن حجم المخالفات التي تتكرر في هذه الجهة الحكومية او تلك، وهذا بطبيعة الحال يفسر لنا أولاً عدم التزام الجهات الحكومية المخالفة مالياً وادارياً بما جاء في هذه التقارير، وثانياً ان الاداء النيابي أحوج ما يكون الى تفعيل الادوات الرقابية.
كما أوضحنا سلفاً هناك مخالفات كثيرة اكد عليها التقرير أبرزها تلك المتعلقة بعدم التزام بعض الوزارات والهيئات الحكومية بقانون الميزانية العامة للدولة وتحديداً فيما يخص المصروفات، كما فعلت وزارة الداخلية التي تجاوزت مصروفاتها المتكررة أربعة ملايين دينار، وكذلك عدم الالتزام بقانون المناقصات ولوائح أنظمة الخدمة المدنية في التوظيف كما حدث في وزارة حقوق الانسان والتنمية الاجتماعية التي كما يقول التقرير خالفت اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية بشأن تعيين غير البحرينيين. وبعبارة أكثر وضوحاً يقول التقرير «قامت الوزارة بتاريخ 4 يناير 2010 بتعيين خبير في مجال التصميم براتب شهري قدره 1250 دينارا لمدة 4 شهور وقامت ايضاً في تاريخ 8 فبراير 2010 بتعيين خبير آخر في مجال الزراعة براتب شهري وقدره 800 دينار لمدة خمسة شهور وذلك من دون موافقة ديوان الخدمة المدنية.. ويقول ايضاً لم نتمكن من الاطلاع على المؤهلات الاكاديمية او شهادات الخبرة الخاصة بالخبيرين كما ان شهادة الدخول الصادرة عن الامانة العامة للجنسية والجوازات والاقامة حدد بها شرط عدم مزاولة اي عمل داخل البحرين».
وحدث ايضاً في الامانة العامة لمجلس النواب التي ارتكبت مخالفات عدة في مجال التوظيف من بينها كما قال التقرير تعيين ستة موظفين دون اللجوء الى اعلان في احدى الصحف اليومية للوظيفة او الرجوع لملفات طلبات التوظيف المؤجلة لدى الشؤون الادارية بالمجلس للحصول على الطلب المناسب ما يخالف المادة 12 من لائحة شؤون الموظفين الصادرة سنة 2004 وفضلاً عن ذلك احتساب بدل العمل الاضافي بشكل مخالف ما نصت عليه تلك اللائحة وهو يعرف أجر العمل الاضافي الاعتيادي بنسبة (100 في المئة) من اجر الساعة الاساسي، ويصرف اجر العمل الاضافي بنسبة (125 في المئة) من اجر الساعة الاساسي عن ساعات العمل في ايام الاجازات والعطل الرسمية في حين يحتسب اجر العمل الاضافي الاعتيادي (125 في المئة) واجر العمل الاضافي بنسبة (150 في المئة) من اجر الساعة الاساسي في العطل والاوقات غير المستحبة.
بالطبع كل هذه المخالفات وغيرها تتطلب الإجابة الواضحة والصريحة عن الاسئلة. لماذا حدثت؟ وكيف حدثت؟ ومن المسؤول عنها؟ ومتى يقدم اصحاب السعادة على تفعيل الادوات الرقابية لوقف هدر المال العام ومكافحة الفساد المالي والاداري؟ هذا ما يجب ان يكون في مقدمة أجندة اصحاب السعادة في الوقت الحاضر والمستقبل.
الأيام 23 ديسمبر 2011