المنشور

فــلــول!


مثل كثير من النعوت والتوصيفات التي شاعت وانتشرت في مصر إبان وبعد ثورة 25 يناير، تبرز مفردة “فلول” التي كانت حتى وقت قريب مركونة في مكان ما منزو في جسم لغة الضاد، تبرز كإحدى أكثر المفردات تداولاً هذه الأيام في الخطاب السياسي المصري، بل وحتى في حوارات وجدالات النخب وعموم فئات الشعب.
وقد بدأ رواج هذه المفردة بعد استخدامها من قبل الأطراف المحسوبة على الثورة “لتشخيص” الشخوص والأوساط الموالية والمحسوبة على النظام السابق في إطار استمرار “المناوشات” الكلامية التي كانت اندلعت بين الموالاة والمعارضة إبان أيام الثورة الثمانية عشر، حيث دأب الإعلام الحكومي ما قبل التنحي على مهاجمة المعتصمين في ميدان التحرير وتوجيه أقذع النعوت ومختلف الاتهامات لهم ومنها “الارتباط بالخارج”، فيما كان المعتصمون يردون باتهامات مضادة شاءت ملابسات التكرار أن يكون نعت “الفلول” الأكثر شعبية وانتشاراً بينها.

ولكأن مفردة “فلول” استقرت بفعل هذا الاستخدام الشائع والمفرط، في لاوعي المتحاورين والمتخاطبين في أجهزة الميديا المصرية وخارجها، فراحوا يستخدمونها بإفراط شديد وخفة وتبسيط بالغين للدلالة على أمر من الأمور الحياتية الهينة .. مثلها في ذلك مثل مفردة “بيئة” على سبيل المثال التي ذهبت “تصنيفاً (Rating) للدلالة على أو “للتأشير” على المراتب الطبقية للناس.

ولعل هذا المآل المنفر الذي آلت إليه لغة الخطاب السياسي في مصر يندرج في المنحى الذي نحته أطراف الصراع بين أركان النظام السابق ومريديه من جهة وبين مختلف أنواع الطيف السياسي والاجتماعي المناوئة له والمشاركة في عملية تغييره، والتي تضمنت، كما نتذكر، في مرحلة سابقة، قيام الطرف الثاني بإصدار لوائح سوداء تتضمن أسماء عدد من المشاهير بهدف تسقيطهم شعبياً وإحراقهم فنياً وسياسياً وإعلامياً، وهو ما كنا حذرنا منه في مقال سابق باعتباره شكلاً من أشكال الإقصاء والإرهاب الذي لا يليق بالمناقبيات التي يُفترض أن يتحلى بها طلاب الحق ومتصدرو دعوات التغيير.

من يتابع اليوم البرامج الحوارية التي تفيض بها القنوات الفضائية المصرية، خصوصاً القنوات الخاصة منها، سيلاحظ كثرة ترداد وتداول كلمة “فلول” في معرض تلك الحوارات، حتى ليبدو للمتابع الحصيف وكأن هناك من يتعمد “سيولة وتدفق” هذه الكلمة بهدف الانتهاء إلى تسخيف من يحاول استخدامها فيما بعد والتندر عليه. ذلك أن كثرة الاستخدام يفقد الشيء قيمته وبريقه.

ومن نافلة القول أن ليس كل من ارتبط بالدولة هو بالضرورة “فلول”، حتى في أكثر الأنظمة الشمولية والبوليسية، بل إن مفردة “فلول” نفسها تنتمي إلى زمن “المراهقة” السياسية حين كانت الأحزاب والحركات السياسية تخصص حصة وفيرة من وقتها للتراشقات التنظيرية والسياسية الاستعراضية التي كان يحرص “فرسانها” على مقارعة بعضهم بعضاً بالنابي من الكلام المرسل.

ولكن، ورغم الفاصل الزمني بين عصرين (ستينيات القرن الماضي والعصر الراهن)، فإن مدلولات مفردة “فلول” العائدة بقوة للتداول السياسي، تتجه لأن تصبح جزءً من الثقافة السياسية السائدة في مصر ومنها إلى بقية أنحاء العالم العربي، تعبيراً عن السياقات الاجتماعية الانشطارية الحادة التي ستسم الحالة العربية العامة إلى حين.



22 ديسمبر 2011