أهمية القمة الخليجية الثانية والثلاثين التي تنعقد حالياً في الرياض انها تأتي في خضم تطورات عاصفة شهدها العام العربي في العام الذي نوشك على وداعه، والتي كانت، في بعض أوجهها على الأقل، بمثابة الزلزال الذي أحدث من المتغيرات ما كان يصعب، لا بل ويستحيل، التنبؤ بحدوثه عندما انعقدت آخر قمة خليجية عادية في ديسمبر من العام الماضي.
فما جرى التعارف على وصفه بالربيع العربي أسس لواقع عربي جديد، ليست واضحة، حتى اللحظة، مآلاته اللاحقة، ولكنه، مع ذلك، أنشأ معطيات جديدة ليس بوسع الإقليم الخليجي أن يكون بمنأى عن تأثيراتها، بل انه بات معنياً بها، وفي بعض الحالات شريكاً مهماً في تقرير مجرياتها، وهو أمر لا تخطؤه عين المراقب الحصيف.
منذ عدة سنوات وضع كاتبان أمريكيان تقريراً عن الأوضاع في منطقة الخليج العربي وأفقها المستقبلي، محوره دعوة دول المنطقة إلى ما وصفاه بـ «التعايش مع المتغيرات»، منطلقين من حقيقة شبه الاحتكار الأمريكي الحالي لكل من النظام الأمني والترتيبات الأمنية الأحادية الجانب، مما يؤجل عملياً العمليات الجيوسياسية العادية في الخليج. ورغم أن التقرير صيغ بروحية أن أمن الخليج هو مسؤولية الولايات المتحدة في المقام الأول وحلفائها الغربيين إلى حد ثانوي، ويبرز بصورة مكبرة أن دول الخليج الصغيرة المنتجة للنفط غير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد اللاعبين الكبار في المنطقة.
الركون إلى هذا الاعتقاد لم يعد مجديأً في الواقع العربي والاقليمي المتغير، فحجم المتغيرات التي جرت هو من الاتساع وقوة التأثير ما يفرض على دول الخليج أن تفكر ملياً في أنها مشمولة بديناميات التحول الجارية في المحيط العربي، بالصورة التي تطرح مسألة المشاركة السياسية في بلداننا بصورة غير مسبوقة، ليس لأن الدول المستفيدة من النفط سترفع حمايتها عن الأمن الخليجي، فهذا محال في الأفق المنظور، لكن المستجد هو أن هذه الدول قد تتحول، وهي تتحول بالفعل ولو بشكل أولي، إلى قوة ضاغطة في اتجاه إحداث متغيرات في إطار البنى السياسية القائمة، لتوائم المتغيرات العربية آنفة الذكر.
ورغم أن دول المنطقة خطت خطوة في الاتجاه الصحيح بتشكيلها لإطار مجلس التعاون الخليجي كوحدة إقليمية تمتلك درجة كبيرة من التجانس، وبتمكنها من الحفاظ على استمرار هذا الكيان رغم الهزات الكبيرة التي عرفتها المنطقة، لكن هذا وحده لم يكن كافياً بالأمس، وهو لم يعد كافياً اليوم بصورة أكبر، ففي هذا الخليج شعوب معنية بأمنه واستقراره وتطوره وتطمح لأن تكون شريكاً في ذلك. إن مجلس التعاون الخليجي لو أخذ كوحدات مستقلة لكُنا إزاء دول صغيرة المساحة ومحدودة السكان، وحتى إذا أخذناه كمجموع فانه سيغدو مجموعا لهذه الوحدات الصغيرة التي تجعل منه هو الآخر قوة صغيرة، والمصلحة تقتضي أن يصل الخليج إلى مستوى يجعل من إطاره الإقليمي إطارا يتعدى حدود التنسيق والتشاور ليصبح أداة صنع سياسة جديدة، ليس إزاء الخارج وحده، وإنما إزاء العلاقة بين شعوب المنطقة وأنظمتها في أفق التحديث والإصلاح والمشاركة السياسية.
20 ديسمبر 2011