أكثر التداعيات سلبية للأحداث التي شهدتها البحرين هو الشرخ الكبير الذي أصاب الوحدة الوطنية للشعب. واستعادة هذه الوحدة تحتاج إلى تدابير من نوع مختلف، هدفها إعادة بناء الجسور بين مكونات المجتمع، وتذويب مناخ الشك والريبة الذي بات يطبع العلاقة بين هذه المكونات.
لامناص لنا جميعاً من قبول البحرين كما هي، أي بكافة مكوناتها الاجتماعية والمذهبية والسياسية، ويخطئ من يعتقد أنه بالوسع عزل أو شطب أي مكون من هذه المكونات من خريطة البلد الاجتماعية، فالأمر لا يتصل بأفراد، وإنما بتكوينات تشكلت عبر سياق زمني ثقافي واجتماعي مديد، وبالتالي فان كافة هذه المكونات مطالبة بأن توفر لنفسها ليس فقط شروط العيش المشترك، وإنما، أيضاً، التفاعل الخلاق بين بعضها بعضاً، وهو التفاعل الذي منه تشكلت الشخصية الوطنية البحرينية التي هي، إلى حدود بعيدة، نسيج ذاتها بالقياس لمحيطها القريب، وهي نفسها الشخصية التي لحقها الكثير من الصدع جراء ما عاشته البلاد من أحداث جسام خلال الفترة الماضية.
المباراة المطلوبة الآن ليست في التسابق على النيل من الآخر، أياً كان هذا الآخر، تحت عناوين ومبررات بعضها يبدو مفهوماً ومنطقياً، والكثير منها ليس كذلك، وإنما المطلوب هو التسابق على إزالة أسباب الاحتقان وسوء الفهم، وإعادة الاعتبار لفكرة المواطنة المتكافئة التي تعمق وتعزز فكرة الانتماء لهذا الوطن، ولفكرة أن يكون فيه متسع للجميع بكافة الحقوق والواجبات.
لا قيمة لأي منجز أو مكسب سياسي إذا كان ثمنه النيل من الوحدة الوطنية للمجتمع، لأن هذه الوحدة بنيت عبر مسار تاريخي معقد، وناضلت من أجلها أجيال من البحرينيين أفلحوا في إقامة تكوينات وطنية بالمعنى الصميم للكلمة، لا تعبر عن طوائف أو فئات، وإنما تعبر عن تطلعات مشتركة لكل أفراد الشعب.
والأصح من هذا القول أن المكاسب السياسية المتعلقة بالإصلاح تستقيم بالتوافق والإرادة المشتركة لكافة مكونات المجتمع في سبيل المزيد من الشراكة بين الدولة والمجتمع، وأن الوحدة الوطنية تنبني وتتوطد عبر هذا النهج بالذات، لا عبر نهج آخر سواه.
تقييم ما شهدته البحرين من أحداث لا بد وأن يتوقف أمام المخاوف التي أثارتها هذه الأحداث عند قطاع كبير من أبناء الشعب، وذلك أمر نتج عن ضعف دور القوى الوطنية بسبب الصعوبات التي تعاني منها، والتي يعود جزء منها على الأقل إلى انحسار نفوذ هذه القوى بسبب عوامل موضوعية وذاتية معقدة لا يجوز ابتسارها في بعض الأحكام السريعة.
يظل الجوهري في الأمر أن الساحة السياسية، على الضفتين السنية والشيعية، افتقدت الصوت الوطني المستقل القادر على مخاطبة الجميع بخطاب جامع، واستعادة هذا الخطاب ليست مهمة سهلة أو سريعة، لكنها مهمة ليست مستحيلة، ولتحقيقها فان جهوداً جبارة يجب أن تبذل من أجل انجاز الهدف الذي جعلنا منه عنواناً لهذا المقال، وهو إعادة بناء الوحدة الوطنية للمجتمع، ونظن انه هدف يمكن أن يستنهض قوى واسعة، فاعلة أو كامنة، في المجتمع، هي جديرة بأداء هذا الدور.
19 ديسمبر 2011