في بحثه «الحريات الأكاديمية – المفهوم والإشكالية النظرية» تحدث د. محمد نور فرحات عن مفهوم الحريات الأكاديمية، معتبراً ان هذا المفهوم حديث النشأة إذا قورن بالمفاهيم المستقرة في مجال حقوق الإنسان، ومع ذلك يؤكد ان هذا المفهوم لا يقتصر على الحقوق (حرية الرأي والعقيدة والتعبير والاجتماع والحق في التعليم)، بل يشمل حقوقاً اخرى ألصق بالمؤسسات الأكاديمية، مثل الحق في استقلال المؤسسات الأكاديمية وواجب الأكاديميين في البحث والتعليم.
ان مفهوم الحريات الأكاديمية كما يقول يثير عدداً من الإشكاليات النظرية والتطبيقية اللصيقة به، والتي لا يثيرها البحث في أي من الحقوق التقليدية على انفراد: مثل العلاقة بين الحريات الاكاديمية ومبدأ حظر النشاط السياسي داخل مؤسسات التعليم العالي، خصوصاً اذا تعلّق الأمر بالعلوم السياسية ومثل القيود التي تفرض على الحريات الاكاديمية، سواء كانت هذه القيود ذات طابع قانوني او اقتصادي او فلسفي او علمي. يرى الباحث ان الحريات الاكاديمية احتلت مكانتها في الأدبيات العالمية لحقوق الانسان بعد تزايد اعتداءات السلطات الحاكمة على استقلالية مؤسسات التعليم الجامعي والحريات التعليمية والبحثية للأكاديميين العاملين فيها، خاصة في مجتمعات العالم الثالث.
وضّح «فرحات» كيف أسفر الوعي العالمي بالحريات الاكاديمية وضرورة تأمينها على وجه فعّال عن صدور إعلانات أربعة عن مؤتمرات، وإن كانت غير رسمية فإنها أسهمت في تحديد ثابث ومستقر لمفهوم الحريات الاكاديمية وأبعادها وحدودها وما تفرضه هذه الحريات من واجبات على العاملين في الحقل الاكاديمي، ومع ذلك يقول لا نزال ننتظر المشرّع الدولي ليصوغ لهذه الحريات أداتها الإلزامية المتمثلة في اتفاقية دولية لحقوق الحريات الاكاديمية.
وأوضح ايضاً الاشكاليات النظرية التي يثيرها موضوع الحريات الاكاديمية من بينها مفهوم هذه الحريات وصلتها بحقوق الانسان الاخرى والمتمتعين بالحريات الاكاديمية، والثانية هي واجب الاكاديميين في التعليم والحدود التي تفصل بين هذا الواجب وبين مباشرة النشاط السياسي والاخيرة القيود على الحريات الاكاديمية.
وعند الوقوف على هذه الاشكاليات شرح الباحث كيفية تجنّبها لضمان الحفاظ على الحريات الاكاديمية وفقاً لما هو متفق عليه في تلك المؤتمرات. وفي هذا المجال يقول: «ان الحريات الاكاديمية تتضمن حقاً للاكاديميين يتعلق ببحوثهم في اختيار الموضوع واستخدام النهج والتحليل النظري ونشر نتائج البحث سواء بشكل مقروء أو مسموع، وهذه الحقوق يتمتع بها العلماء والباحثون بصفة فردية وجماعية». ويضيف «ان احد الشروط الرئيسية للحرية البحثية بالمعنى السابق، هو تأمين استقلال الجامعات ضد التدخلات والمزاعم الخارجية سواء من جانب الدولة أو الشركات الخاصة أو المؤسسات الدينية أو غيرها من صور التدخل التي يمكن ان تؤثر على النشاط البحثي».
وبشيء من الإيجاز تطرق الباحث الى الواجب الاكاديمي والواجب في التعليم، من حيث العطاء العلمي وشيوع الابداع في المناخ الاكاديمي، وكذلك من حيث الالتزام بالقيود القانونية والاخلاقية عند ممارسة الحريات الاكاديمية. وبالاضافة الى ذلك، تطرق ايضاً الى هذه القيود ذاتية كانت ام موضوعية، وإلى مضمون الحريات الاكاديمية ابرزها حق اعضاء المجتمع الاكاديمي في تأمين واحترام حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في مواثيق حقوق الانسان العالمية. وكذلك الحق في تكافؤ الفرص في الالتحاق بالمجتمع الاكاديمي على اساس من القدرة والكفاءة وحدهما، وحرية الباحثين في إجراء بحوثهم واختيار مناهجها ونشر نتائجها دون تدخل من احد مع التزامهم بالمبادئ العامة والاخلاقية للبحث العلمي أو حق الاكاديميين في التجمع وإنشاء نقابات وأندية.. واستقلال مؤسسات التعليم العالي يستلزم شيوع المناخ الديمقراطي داخل هذه المؤسسات.
أما عن الحريات الاكاديمية في الجامعات العربية فيقول: «وطبيعي أنه يصدق على الحريات الاكاديمية في بلدان العالم العربي ما يصدق في حالة الحريات العامة وأوضاع حقوق الانسان فيها، فليس لنا ان نتوقع احتراماً لحريات الاكاديميين في مجتمعات لا يأمن فيها مواطنوها على حقوقهم وحرياتهم الانسانية والعكس صحيح». ويقول أيضاً: «فمن الملاحظ في التاريخ العربي الحديث ان الابداع الاكاديمي والازدهار العلمي والثقافي يسودان في الاوقات التي يسود فيها مناخ من التسامح الليبرالي واحترام حقوق الانسان، وأن الانحطاط والتدهور الاكاديمي والثقافي يصبح ظاهرة ملحوظة في اوقات الاستبداد والطغيان وقهر حقوق الانسان.. ولأن احترام حقوق الانسان لم تتأصل جذوره بعد في عدد من المجتمعات العربية فمن المنطقي ان يفتقد مفهوم الحريات الاكاديمية في هذه المجتمعات».
ومن جملة ما تحدث عنه في هذا البحث الهيمنة الرسمية وحرية الفكر والابداع في الجامعات العربية. موضحاً ان هذه الهيمنة وفي غياب الحرية داخل الجامعات وضعت قيوداً تجاه حرية التعبير والطموح، وكذلك تحدث عن ازدواجية الثقافة وأثرها السلبي في التربية على حقوق الانسان. وهنا اشار الى التعارض بين الرؤية الدينية والرؤية الدولية لحقوق الانسان في مجال التعليم الديني، الذي يعتمد على النقل دون العقل، وعلى الترديد دون التجديد.
صحيفة الأيام 9 ديسمبر 2011