قراءة متأنية في الاحتجاجات الكبيرة التي هزت البحرين في الرابع عشر من فبراير “شباط” 2011، والتي استمرت حتى صباح السادس عشر من مارس “آذار” 2011، بدخول قوات درع الجزيرة في الرابع عشر من مارس 2011 لإنهاء تلك الاحتجاجات والاعتصامات الحاشدة، بدأت العملية بتفكيك التجمعات الشعبية في قرى البحرين، وتحديداً في قرى سترة ونويدرات في الخامس عشر من خلال المواجهة مع الشباب وبعدها إخلاء “دوار اللؤلؤة”، في صباح السادس عشر من مارس 2011، من قبل قوات دفاع البحرين، الحرس الوطني، الامن الوطني، قوات درع الجزيرة، وإعلان حالة السلامة الوطنية من قبل جلالة الملك في السادس عشر من مارس 2011، استمرت حتى الثلاثين من يونيه 2011، خيمت على البحرين أجواء كئيبة لمدة شهرين ونصف، بسبب الاعتقالات التي طالت بعض قادة المعارضة والمئات من الرجال والنساء من مختلف القطاعات والتخصصات، وكان القلق والخوف بسبب القبضة الامنية المتشددة، وانتشرت نقاط التفتيش في معظم مناطق البحرين من قبل القوات الأمنية والعسكرية المشتركة، اجواء امنية لم يتعود عليها الشعب البحريني من قبل، بالرغم من الانتفاضات والاحتجاجات التي حدثت في النصف الثاني من القرن الماضي حتى نهاياته لم تكن في مستوى هذا الحدث.
دوار اللؤلؤة
“دوار اللؤلؤة” وتطلق عليه السلطات الرسمية في بلادنا “دوار مجلس التعاون” ويطلق عليه حالياً من قبل شباب الرابع عشر “ميدان الشهداء”، تم ازالته بالكامل في الثامن عشر من مارس 2011، وتم تحويله إلى تقاطع “إشارات ضوئية”، وتطلق عليه حالياً السلطات الرسمية في البلاد، “تقاطع الفاروق” حيث لم يفتتح حتى كتابة هذه السطور، وما زال محاطاً بالأسلاك الشائكة، وتتمركز فيه قوات الحرس الوطني والأمن العام، وفقاً لتصريحات المسئولين في البلاد.
دوار اللؤلؤة أصبح رمزاً لاحتجاجات المعارضة وشباب الرابع عشر من فبراير، ففيه سقط العديد من الشهداء والجرحى من المواطنين، في الضربة الامنية الأولى في 17 فبراير 2011، والضربة الامنية الثانية في 16 مارس 2011، وفيه القيت الكلمات والخطابات ورفعت الشعارات واليافطات من مختلف الاطراف السياسية المعارضة في البحرين.
بعد رفع حالة السلامة الوطنية “الطوارىء” في الأول من يوليو 2011، بدأ الحراك السياسي، من قبل المعارضة بكل اطيافها بالانشطة والفعاليات واصدار البيانات واقامة الندوات السياسية في البلاد، تنظم المهرجانات والفعاليات والتجمعات وان اخذت اشكال واساليب مختلفة عن مرحلة “الدوار”، ولا زالت مستمرة.
حوار التوافق الوطني:-
في بداية الاسبوع الأول من يوليو 2011، نظمت الدولة “حوار توافق وطني” دعت اليه مختلف القطاعات والفئات للحضور والمشاركة في فعالياته وحددت مساراته وعناوينه، بالاضافة لوجود رجال الاعمال وغيرهم، تواجدت فيه جمعيات المعارضة والموالاة وأعضاء مجلسي النواب والشورى، كانت نسبة المعارضة فيه لم تتعدَ 5% إلى 7%، ولم توافق المعارضة على غالبية المرئيات السياسية التي رفعت إلى الملك من قبل المشاركين في المؤتمر، بسبب تجاهل مقترحاتها.
قبل بدء الحوار جرت سجالات ونقاشات حول المشاركة فيه أو مقاطعته، والبعض من المعارضة لم يشارك، وآخرون منها لم يدع اصلاً اليه، والبعض انسحب فيما بعد منه، باختصار لم يحقق النتائج المرجوة، بل كان بمثابة لقاء أو منتدى سياسي، لم يأخذ بمرئيات قوى المعارضة، التي تمثلت فيه من خلال قوى التيار الوطني الديمقراطي، التي كانت مرئياتها الأكثر وضوحاً في التعبير عن تطلعات وطموحات شعبنا في التغيير والاصلاح السياسي وتطبيق الديمقراطية الحقة، وبعد انتهاء اعمال مؤتمر حوار التوافق الوطني، ارسلت جمعيات التيار الوطني الديمقراطي رسالة إلى جلالة الملك تضمنت مرئياتها وملاحظاتها على المؤتمر، وذكرت فيها بأنه لم يأخذ بمرئيات جمعياتها، لكنها لم تتلقَ رداً من قبل الديوان الملكي على رسالتها، وخلال الاسابيع الماضية انتشرت العديد من الاشاعات، عبر شبكات التواصل الاجتماعي بأن هناك لقاءات، وربما حواراً قائماً ما بين بعض اطراف المعارضة والسلطة، تم النفي من بعض قوى المعارضة وتحديداً الوفاق، ولم تعلق او تنفي مؤسسة الحكم، وهناك كلام آخر بأن ما يتم التحضير اليه من قبل اطراف اقليمية ودولية يجرى بهدوء، ربما بانتظار احداث بعض التغيرات في بعض البلاد العربية، وانتظار صدورتقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة الدكتور محمود شريف بسيوني.
الجميع يترقب وينتظر، لكن حتى هذه اللحظة لا توجد مواقف وأفكار واضحة للحل السياسي في البلاد، وان اجتهدت بعض اطراف القوى المعارضة في البحرين، بطرح رؤى وافكار لانتشال البحرين من أزمتها العميقة.
الاحتجاجات الشعبية:-
ما حدث في فبراير الماضي لم يسبق أن حدث من قبل ، سواء في أعداد المشاركين في التظاهرات والاعتصامات والمسيرات والتجمعات الحاشدة، أو في الشعارات التي رفعت فيها، وأهمها شعار “اسقاط النظام”، والذي اثار جدلاً واسعاً في صفوف المعارضة والحكومة، وفئة واسعة من الشعب، وغيرها من الشعارات المختلف عليها.
تلك التداعيات لا زالت مستمرة، وربما تستمر لعقود من السنين وتحديداً “الشرخ الاجتماعي” الذي حدث بين فئات المجتمع بفعل تحريض اطراف عديدة، حيث لم يكن الشعب البحريني موحداً في طرح الشعارات والمطالب السياسية والاجتماعية، والنظام السياسي في البحرين نجح وبامتياز، بتحريف تلك المطالب الوطنية المشروعة، كتطبيق المملكة الدستورية وفقاً لما جاء في ميثاق العمل الوطني، وانتخاب مجلس تشريعي كامل الصلاحيات، وحكومة تمثل الارادة الشعبية ودوائر انتخابية عادلة، وتوزيع عادل للثروة، ووقف التجنيس السياسي، توصف بأنها مطالب طائفية، تريد اقصاء طائفة أخرى من المجتمع، وتطالب برحيلها، وتمت استمالة طائفة كبيرة من خلال الماكينة الاعلامية التي استخدمت فيها كل الافتراءات والمغالطات والشتائم ضد الآخر المختلف في السياسة قبل المذهب، صحافة وتليفزيون واذاعة، وسائل التواصل الاجتماعي، مستغلة تلك الشعارات المختلف عليها التي رفعت في “الدوار” مثل شعار “ارحلوا” بالاضافة إلى شعار “الشعب يريد اسقاط النظام” هذان الشعاران شكلا مادة صحفية واعلامية دسمة لبعض الاعلامين والكتاب المأزومين والمأجورين والذين استغلوا الأزمة لتحقيق مآربهم الخاصة على حساب وحدة الشعب، يرفعون المعول لهدم البيت الكبير “البحرين” وطن الجميع وتفتيت الشعب وتقسيمه إلى طوائف ومذاهب واعراق والتصدي للمساعي النبيلة التي كانت تبذل من أجل رأب الصدع بين فئات الشعب، داعية للوحدة الوطنية الحقيقية، ووقف انتهاكات حقوق الانسان التي حدثت بعد ضربة مارس واخلاء الدوار واستمرت فيما بعد، لا يهمها هذا، طالما تلك الفئة المستفيدة حصلت على المزايا والعطايا، نظير تلك الكتابات والمقالات والمقابلات والبرامج الاعلامية التي عززت الطائفية وزرعت الحقد والكره وروح الانتقام والتشفي في المجتمع.
الانقسام المجتمعي:-
الشيء الذي يجب أن يذكر في هذه القراءة السريعة، الانقسام المجتمعي العميق بين فئات الشعب، فلأول مرة في البحرين لم يحدث في كل الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية منذ مطلع العشرينات من القرن الماضي، حتى التسعينات منه تقف فئة اجتماعية واسعة من الشعب مع النظام السياسي، تدعمه وتسانده وتدافع عنه، وان اختلف الشعب البحريني في بعض المطالب في تلك الفترة، لكن ليس بهذا الشكل الحاصل اليوم، حيث كان دائماً موحداً في مطالبه واهدافه، وان وجدت في الماضي بعض التحركات والعرائض لفئة لوحدها، لكن لم يحدث احتكاك او صراع مذهبي بين فئات الشعب، ان الاصطفاف الطائفي والمذهبي المتزايد في بلادنا تغذيه عدة اطراف محلية واقليمية، ومن مصلحتها بان يستمر ويتفاقم الوضع إلى الاسوأ، لكي تحافظ على ما نالته من غنائم وامتيازات من هذه الأزمة، وان كانت على حساب آخرون شركاء لهم في الوطن.
إن قدر الجميع بأن يعيشوا معاً في البحرين، لا يستطيع اي طرف الغاء الآخر، مهما كانت الأسباب والنتائج.
مشروع الملك:
السؤال هنا، هل الأزمة السياسية، جاءت بتأثير الثورتين التونسية والمصرية في ديسمبر 2010 ويناير 2011، ام لها جذور واسباب أخرى، استفادت منها بعض قوى المعارضة والشباب، لكي يطلقون دعوتهم في الرابع عشر من فبراير 2011، يوم للغضب.
جاء مشروع أمير البحرين آنذاك، ملك البحرين حالياً في عام 2000، المعروف “بمشروع ميثاق العمل الوطني” وطرح للتصويت عليه من قبل الشعب، تم ذلك في يومي 14 و 15 من فبراير 2001، بعد ان دعت المعارضة الشعب البحريني بالتصويت عليه بـ”نعم”.
بتصويت الشعب البحريني على ميثاق العمل الوطني باجماع وطني قلَّ نظيره، بدأت في البحرين مرحلة جديدة، عرفت بالانفراج السياسي، حيث اقدم أمير البحرين آنذاك، الملك حمد بن عيسى، على خطوة ايجابية، وهي تبييض السجون والمعتقلات، بإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسين والسماح بعودة المنفيين والغاء قانون أمن الدولة وتدابير محكمة أمن الدولة في فبراير 2001، والسماح للمعارضة بالتواجد العلني وفيما بعد اسست لها جمعيات سياسية “احزاب سياسية” لتمارس انشطتها العلنية في البلاد.
بداية الأزمة:-
بدأت الأزمة وانعدام الثقة ما بين الحكومة والمعارضة، عندما صدر دستور مملكة البحرين الجديد في الرابع عشر من فبراير عام 2002، بارادة ملكية منفردة، حيث اعتبرته المعارضة، بأنه تراجع عن ميثاق العمل الوطني، وردت السلطة في البحرين عليها، بأنها ادخلت بعض التعديلات الدستورية وفقاً لما جاء في ميثاق العمل الوطني، وأرفقته بمذكرة تفسيرية، معتبرة ما ورد فيه مرجعاً لتفسير أحكامه، من هنا بدأ الخلاف والتباين بين السلطة والمعارضة في تفسير ما جاء في الميثاق، وما تضمنه، حيث أكدت المعارضة بضرورة أن يكون المجلس النيابي المنتخب له كامل الصلاحيات، الرقابية والتشريعية، فيما تنحصر مهمة مجلس الشوري في اعطاء الرأي والمشورة، بمعنى لا يحق له أن يكون شريكاً في التشريع، ولم يكتفِ النظام السياسي، باصدار دستور مملكة البحرين، بل دعى إلى انتخابات لمجالس بلدية ومجلس النواب، في مايو 2002، وفي اكتوبر عام 2002، وبالفعل هذا ما حدث فيما بعد، حيث شاركت المعارضة في انتخابات المجالس البلدية مايو 2002، وأختلفت فيما بعد على الموقف من انتخابات مجلس النواب في اكتوبر 2002 ، فشارك المنبر الديمقراطي التقدمي وغيره من القوى والشخصيات الوطنية، وقاطعت الجمعيات الاربع، وفي عام 2003، انعقد المؤتمر الدستوري الأول من قبل الجمعيات الاربع المقاطعة وبعض الشخصيات الوطنية والمحامين، بعد أن تعذر الاتفاق على صيغة المؤتمر مع المنبر التقدمي وجمعية الوسط.
وخلال فترة انعقاد الفصل التشريعي لعام 2002- 2006، صدرت حزمة من القوانين التي تضمنت قيوداً على الحريات العامة والديمقراطية، والتي تتعارض مع العديد من البنود والمواد التي جاءت في ميثاق العمل الوطني، ودستور مملكة البحرين، وكان ابرز تلك القوانين، قانون الجمعيات السياسية، وقانون التجمعات ومكافحة الارهاب، وقانون السلامة الوطنية، تلك القوانين والاجراءات شكلت تراجعاً كبير عن تطوير التجربة الناشئة في البحرين باتجاه التحول الديمقراطي في دولة ساد فيها قانون أمن الدولة لمدة أكثر من ربع قرن.
مراجعة القوانين:-
ففي الوقت الذي كان يتطلب مراجعة القوانين الصادرة في فترة الحقبة السوداء من تاريخ شعبنا، والغاء وغربلة وتعديل بعضها، تصدر قوانين اكثر تعسفاً من تلك، فلا يمكن لتجربة جديدة تريد الانتقال إلى مرحلة التحولات الديمقراطية وبناء المؤسسات الدستورية وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان، تماشياً مع التحولات والتغيرات الكبيرة التي حدثت في العالم، أن تبقى متمسكة بتلك القوانين المقيدة للديمقراطية والحريات العامة، وتضاف اليها حزمة أخرى من القوانين المعيقة للتحول الديمقراطي و تتعارض مع مشروع الملك الاصلاحي، هذه الاجراءات والقوانين الجديدة ساعدت على تصاعد ونمو افكار التطرف والرفض في المجتمع، بالاضافة الى فشل جميع لجان التحقيق التي شكلها مجلس النواب في دورته الاولى 2002-2006، ودورته الثانية 2006- 2010 في حمل الدولة على اتخاذ اجراءات ملموسة ضد من ثبت تورطهم في الفساد، اضف الى ذلك لم تتخذ أي اجراءات فعلية، على ما احتوته التقارير الصادرة عن ديوان الرقابة المالية والادارية من قضايا تمس الفساد الاداري والمالي، والإختلاس وغيرها، والمسئول عنها شخصيات تنفيذية ومسئولة في وزارات ومؤسسات الدولة.
وفي مجلس النواب 2006- 2010، كان التجاذب الطائفي والشعبوي اكثر من التركيز على أهمية اصدار قوانين وتشريعات جديدة، تطور التجربة النيابية في البلاد، وتؤدي إلى محاسبة المسئولين على اخطائهم وعدم القيام بمسئولياتهم وواجباتهم بالمستوى المطلوب، وتورط البعض في قضايا الفساد المالي والاداري، فجاء أداء المجلس مخيباً لآمال الناس الذين صوتوا لهؤلاء النواب.
كما كان يتطلب اصدار قانون يحرم التمييز في المجتمع، ويؤكد على المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، كونهم سواسية امام القانون.
كل ما تم ذكره سلفاً، بالاضافة لعدم حل موضوع الخريجين المتزايدين سنوياً وارتفاع اعداد العاطلين من الخريجين الجامعيين، يضاف إلى ذلك ملفات آخرى لم يتم حلها ومعالجتها بالشكل المطلوب، خلال السنوات العشر الماضية، منذ 2001 حتى 2011، الاسكان، التجنيس، البطالة، ملف ضحايا التعذيب في مرحلة قانون أمن الدولة، وهي بمثابة قنابل موقوتة، قابلة للانفجار في اية لحظة، وتشكل عوامل مساعدة إلى اي تحرك شعبي أو مطلبي في المجتمع، وبالفعل جاءت ثورات ما يعرف اليوم “بالربيع العربي” في تونس ومصر، لتعطي دافعاً قوياً للتحرك السياسي والمطلبي، لهذا برزت على شبكات التواصل الاجتماعي دعوة للاعتصام والتظاهر في الرابع عشر من فبراير 2011 الذي أطلق عليه “يوم الغضب”، ويثار التساؤل عمن أطلق تلك الدعوة، هل هي اطراف بحرينية معارضة متشددة، أو مجاميع شبابية متأثرة بما جرى في تونس ومصر؟
المعارضة والمشاركة في الاحتجاجات:-
في البدء ترددت قوى المعارضة الرسمية بما فيها كبرى قوى المعارضة “جمعية الوفاق” في تأييد دعوة الرابع عشر من فبراير، ولكن ما جرى في الثالث عشر والرابع عشر من فبراير 2011، وسقوط أول شهيد، الشهيد علي مشيمع، غير من رأي المعارضة، وتداعت العديد من اطرافها إلى اجتماعات داخلية للهيئات القيادية،
لاتخاذ القرار المناسب مما يجري، وكان قرار الاغلبية من الجمعيات السياسية المعارضة المشاركة في تلك الاحداث الكبيرة، فيما بعد في دوار اللؤلؤة، وشكلت فيما بينها ما عرف لاحقاً “بالجمعيات السياسية السبع”، وهي صيغة فرضهتا تطورات الأحداث ولم يجرِ التحضير لها قبل ذلك، فأصبحت هذه الجمعيات تعقد لقاءات واجتماعات مستمرة يومياً، لا توجد رؤى سياسية موحدة بين المعارضة كانت هناك مطالب، حددت في بياناتها الصادرة، وأهما الدعوة لقيام مجلس تأسيسي منتخب، يصدر من خلاله دستور عقدي، مجلس نواب كامل الصلاحيات، دوائر انتخابية عادلة، حكومة منتخبة.
المملكة الدستورية والدوار
كانت هذه أهم المطالب من أجل قيام مملكة دستورية على غرار الديمقراطيات العريقة، مثلما بشر بها جلالة الملك في أكثر من خطاب في بداية مرحلة الانفراج السياسي في فبراير 2001، وجاء في ميثاق العمل الوطني الصفحة “7”، تأخذ دولة البحرين بجدارة بين الممالك الدستورية المتقدمة.
والمطالبة بالمملكة الدستورية، ليست بدعة من المعارضة البحرينية، بل أكد عليها ، قبل عقد من السنين جلالة الملك في أكثر من خطاب، وجاء في الفصل الثاني، من ميثاق العمل الوطني حول شكل الدولة الدستوري “فقد صار من المناسب أن تحتل البحرين مكانتها بين الممالك الدستورية ذات النظام الديمقراطي الذي يحقق للشعب تطلعاته نحو التقدم”
في “دوار اللؤلؤة” سمحت السلطة للمواطنين والمعارضة في التواجد في الدوار، واكد ذلك ولي العهد في لقائه التلفزيوني في الثامن عشر من فبراير 2011، على تواجد المواطنين في الدوار، ولكن ما حدث بعد ضرب دوار اللؤلؤة واخلاء الشباب منه في السادس عشر من مارس، ان التواجد فيه أصبح “تهمة”، لكل من ذهبوا اليه، وتعرض المواطنون البحرينيون للعديد من الاجراءات التعسفية من الاعتقال والفصل أو التوقيف من العمل، ولا زالت اثار تلك التداعيات مستمرة ليومنا هذا.
اثناء الدوار، جرت العديد من المسيرات الجماهيرية الحاشدة التي لم تحدث من قبل في البحرين وبتلك الاعداد الكبيرة والتي تعد بمئات الآلاف، بعضها تجاوز ثلاثمائة ألف، وربما أكثر من ذلك، كما ذكر من قبل المراسلين الاجانب ووكالات الانباء العالمية والقنوات الفضائية مثل CNN و BBC وغيرها، كانت تطالب بالتغيير والديمقراطية الحقة، وكانت بعض الشعارات، تتشابه مع تلك الشعارات التي كانت مرفوعة في تونس ومصر، ولا سيما الشعار المعروف “الشعب يريد اسقاط النظام”، حيث تردد هذا الشعار كثيراً في الدوار، وكان موضع خلاف ما بين اطراف المعارضة، وبالأخص الجمعيات السياسية السبع التي رفضته ورفعت شعار المملكة الدستورية واستحقاقاتها.
التباين بين اطراف المعارضة:-
كان “دوار اللؤلؤة” مركز الاحتجاج والاعتصام والتظاهر والتجمع، وهو في قلب العاصمة البحرينية “المنامة” من قبل كل اطراف المعارضة البحرينية، وفيه القيت الخطابات والكلمات والاشعار والقصائد، التي اختلفت في مضامينها ورؤاها من خطيب إلى آخر، وكان الخلاف الأكثر بروزاً، هو حول شعار “الشعب يريد اسقط النظام” وما يعنيه، كانت الجمعيات السياسية السبع المعارضة مصرة على رفع شعار تطبيق المملكة الدستورية وفق ما جاء في ميثاق العمل الوطني، واهمية توعية الشباب بهذا الشعار، وجرت العديد من السجالات والنقاشات والحوارات في الدوار ما بين طرفي الخلاف، شباب الرابع عشر من فبراير ومن معهم من اطراف المعارضة الاخرى، الوفاء وحق وغيرها من القوى السياسية المعارضة، واعضاء وانصار الجمعيات السياسية السبع المعارضة، من أجل التأكيد على أهمية رفع شعار المملكة الدستورية، لكي يشكل اجماعاً وطنياً، بدل من رفع شعارات أخرى غير متفق عليها، تعمق من الخلاف والانشقاق بين فئات الشعب وتعطي ذرائع من أجل ضرب الحركة الاحتجاجية المطلبية وتحرفها عن مساراتها ولا توحد صفوف الشعب، بل قدمت مساعدة كبيرة للنظام، حيث التف حوله ودعمه جزء كبير من الشعب، وكان هذا واضحاً في تجمع الفاتح، فبدل من يتوحد الشعب مع المطالب الوطنية، ويعزز من وحدته الوطنية من خلال التأكيد على حقوقه المشروعة خلق حالة من الخوف والقلق ذلك الشعار المرفوع في الدوار، وتوسعت الهوة بين ابناء الشعب البحريني الواحد وان تنوعت اعراقه واجناسه ومذاهبه، تلك الوحدة التي تجسدت في هيئة الاتحاد الوطني اعوام 1954- 1956، وانتفاضة مارس 1965، والاضرابات والمسيرات العمالية في عام 1972، وفي انتخاب المجلس الوطني في ديسمبر عام 1973، وفي اعوام لاحقة، لم تعد اليوم موجودة في المجتمع.
المكارثية بماركة البحرين:-
برزت اليوم فئة مريضة تصب الزيت على الحطب لتشتعل البحرين، حيث تعمل على استمرار ذلك الانشقاق المجتمعي، وتزرع الاحقاد والكراهية والتشفي وتنتقم من الأبرياء من خلال الوشاية بهم والصاق التهم ضدهم، لقد فصل العديد من اعمالهم على “الهوية” واعتقل العديد على “الهوية”، وقُتل وعُذب شباب وشابات على “الهوية”، انها المكارثية، بماركة بحرينية أو كأننا في جنوب افريقيا قبل عام 1991، مورست اساليب دنيئة لا تليق بانسان يعيش في القرن الحادي والعشرين، بأن يقوم بها ضد أخيه الأنسان، وكيف الحال إذا كان مواطن بحريني مثله، يعيش معه على أرض واحدة يتنفس هوائها مثله، لم تعد البحرين التي نعرفها، الطيبة والتسامح والتعايش والمحبة والأخوة كانت سمات تُعرف بها، والتصاهر بين ابناء المذهبين في البحرين، ومع أن فعاليات الدوار لم تستمر أكثر من شهر واحد، بالرغم من الاخطاء والخلافات التي وجدت فيه، بعد رفع بعض الشعارات المختلفة عليها والانتقادات التي وجهت إلى الشباب، تستمر بعض الاقلام المكسورة والمأجورة، بالسباب والشتائم، وتؤجج الوضع المتأزم في البلاد وتعمق من التعصب الطائفي والمذهبي، هذه الفئة وآخرون معها يخدمون انفسهم، ولا يخدمون الوطن ولا يهمهم تطور وتقدم البحرين ونجاح قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان، يهتمون بمصالحهم وغنائمهم، وان تستمر الازمة، حتى تزداد حساباتهم البنكية، فهؤلاء لا يحبون البحرين ولا شعبها، عبدة الدينار، اسألوا عنهم هل كانوا يملكون قبل الأزمة شيئاً؟
الأخطاء والسلبيات لا تعالج بخلق الكراهية والبغضاء والتعصب المذهبي في صفوف الشعب، أي مثقف وأي كاتب هذا، الذي يمارس تسلط وإرهاب فكري ومادي اتجاه ابناء شعبه، ويحرض عليهم الدولة وأجهزة الأمن، من أجل الإعتقال والفصل من العمل، وأي دولة تحترم قوانينها، كيف تسمح لكتاب واعلاميين بأن يصدروا اوأمرهم، تجاه وزراء ومسئولين في الدولة، ويتم تهديدهم وإهانتهم علناً، راجعوا المقالات والكتابات وبرامج الراصد وغيره بعد أخلاء الدوار وفرض حالة السلامة الوطنية، والأكثر غرابة ودهشة، بعض أعضاء مجلس النواب يؤيدون فصل المواطنين من اعمالهم وساهم العديد منهم في فصل مسئولين وموظفين من بعض الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية، حيث تحول هؤلاء إلى قضاة يصدرون احكامهم تجاه المواطنين.
الوضع الاقتصادي:-
يسير الوضع الاقتصادي من سيء إلى اسوأ، اسألوا غرفة التجارة والصناعة، وأن تخبطت في بداية الأزمة ولم تقل الحقيقة عن الوضع الاقتصادي المزري في البلاد، بسبب الازمة السياسية وتأثيراتها على السوق، هناك من التجار من استفاد من هذه الأزمة على حساب زملاء آخرين له في نفس المهنة، بل البعض منهم حرض تجار كانوا منافسين له في السوق، ليستثمر الوضع لصالحه، وإن كان مؤقتاً، ورغم أن الوضع الاقتصادي في البحرين مرتبط بالأزمة المالية العالمية التي حدثت في أكتوبر عام 2008 و لا زالت تداعياتها مستمرة، لكنه بعد الرابع عشر من فبراير 2011، تدهور نحو الاسوأ على جميع الاصعدة، ويمكن قياس ذلك من خلال قراءة التقارير الصادرة عن العديد من القطاعات المالية والعقارية والخدماتية وغيرها خلال النصف الأول من السنة الحالية المرفوعة من قبل المجالس الادارية، للجمعيات العمومية، بمقارنة سريعة مع التقارير الصادرة لعام 2010، لمعرفة حجم الخسائر في تلك القطاعات الاقتصادية في البلاد.
التيار الوطني الديمقراطي:-
المؤمل من هذا التيار الوطني، بأن يلعب دوراً كبيراً باعتباره تياراً عابراً للطوائف وأنه يجمع ويوحد أبناء الشعب الواحد، من خلال الإسراع بالتوقيع على الوثائق التي كتبتها قياداته قبل الرابع عشر من فبراير 2011، تقريباً بعام، ولا بد من عقد مؤتمر عام للتيار الوطني الديمقراطي والشخصيات الوطنية الديمقراطية المستقلة، والاتفاق على صياغة برنامج وطني شامل وواضح، يحلل ويشخص الوضع وكيفية الخروج من الأزمة، وتجاوز اثارها السلبية والعمل باتجاه توحيد فئات الشعب المختلفة والتأكيد على المطالب الوطنية المشروعة في تطوير وتحديث البلاد من خلال الدولة المدنية الحديثة القادرة على التطبيق العادل للحياة الديمقراطية الحقة، وإشاعة الحريات العامة والفردية واحترام حقوق الانسان وتجريم التمييز الطائفي والعنصري في المجتمع والتأكيد على حقوق المرأة، بمعنى الدولة المدنية القائمة على فصل الدين عن السياسة، دولة العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية والمواطنة الحقة والتعددية الفكرية والسياسية، ينظمها دستور عصري، السيادة فيها للشعب مصدر السلطات جميعاً، الناس فيها سواسية في الكرامة الانسانية ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة.
الحل سياسي:-
جربت الدولة، الحلول الامنية في السابق ابآن حقبة قانون الدولة، ولم تفلح في ذلك، وان حدت من انشطة المعارضة وأجبرتها على أن تعمل في السر، وجاءت فترة الانفراج السياسي، كانت الحلول الأمنية اقل حدة من العهد السابق، واليوم تزداد القبضة الأمنية، يوجد في السلطة من يدفع باتجاه التشدد والتمسك بالحل الأمني، بالرغم بان تكلفته باهظة ولن تجلب إلا مزيداً من الخسائر لأبناء هذا الشعب، وسوف يطال فئات وقطاعات عديدة من المجتمع، اي الضرر والخسارة، ففي حالة الاستقرار والامان والطمأنينة ينتعش الاقتصاد والسياحة وهناك أمثلة عديدة على بعض البلدان العربية والاجنبية.
فالحل السياسي هو الأجدى لبلادنا لتتجنب الخسائر والكوارث، ولكي تخطو نحو الأمام، عندما تسرع من التسوية السياسية، وفي المقدمة منها بأن يعمل الجميع على اعادة اللحمة الوطنية وبث الثقة والطمأنينة في نفوس الناس، وأن تبادر الدولة بإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين واعادة المفصولين والموقوفين إلى اعمالهم، وعدم السماح للذين يؤججون الطائفية والكراهية في المجتمع بالاستمرار في لعبتهم القدرة، فالوطن لا يتحمل المزيد من التمزق والتشرذم.
واخيراً من الضروري أن تبدأ الدولة بالحوار الجاد والفعال مع المعارضة، وتتوافق معها على مستقبل الوطن.
13 نوفمبر 2011