ما كررناه سابقا ونكرره هنا انه ثمة مفارقات تتجه نحو خلق المزيد من العقبات تضاعف من مشكلات البلاد الداخلية ونجزم ان الحوار الوطني الفاعل المبني على قاعدة الثقة لما فيه مصلحة الوطن يفتح افق الاختلاف لبلورة ما يمكن ان يدفع باتجاه استقرار وتقدم وازدهار البحرين التي كانت ولا تزال واحة واسعة خضراء تضم جميع مكونات واطياف هذا الشعب الطيب بمعنى هي الصدر الدافئ لأبناء هذا الوطن.
ولعلنا لا نبالغ حين تقول: ان البحرين التي تعد من ابرز الامثلة العربية على صعيد التعايش الطائفي والتعددية والتسامح والعيش المشترك قادرة على حل قضاياها الداخلية على طاولة الحوار الوطني وفي اطار المؤسسات القانونية والدستورية وبالتالي المشكلة في واقع الأمر تكمن أو ترجع في الأساس ليس فقط الى ضرورة توفر الحقوق والمطالب واستكمال النواقص وانما ايضا في التوجهات غير الوطنية التي تراهن على الاستقواء بالخارج وفي التحركات المرفوضة والمدانة التي تلحق الضرر بالسلم الاهلي والاجتماعي وتقصد بذلك تلك الاحتجاجات والتحركات غير السلمية وما نشاهده اليوم من عنف وتطرف وتعد على امن وسلامة وحرية المواطنين والمقيمين من خلال الاعمال التخريبية المتمثلة في سكب الزيت في الشوارع وسد الطرقات وحرق الاطارات وحاويات القمامة وهي ابلغ الامثلة على ذلك.
والذي يقرأ المشهد السياسي بكل تفاصيله يرى انه من الضرورة ان يدفع في اتجاه خيار المصلحة الوطنية وفي تعزيز التيار الوطني الديمقراطي المرتبط بالحداثة والتنوير فكراً وممارسة وثقافة وهو عماد المجتمع المدني في دعم السلطة المدنية الحديثة البعيدة عن الوصاية والحاكمية وسلطة ولاية الفقيه.
ولأهمية خيار المصالحة الوطنية لابد من الاشارة الى التيار الديمقراطي الذي أكد في بيانه الاخير الداعي الى سلمية الحراك السياسي ونبذ العنف والوسائل العنيفة التي لا تترجم سلمية اي حركة تطالب بالإصلاح «ان الوصول الى حل سياسي يمر عبر جسر العدالة الانتقالية التي تتخذ من المصارحة والمصالحة الوطنية سبيلاً للوصول الى جبر الضرر والافراج عن المعتقلين السياسيين وتعويض ضحايا الفترة الماضية والاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا الى هذا النوع من الحلول مثل جنوب افريقيا والمغرب» وفي مقابل ذلك حث البيان ايضا الى نبذ الطائفية والى التمسك بالثوابت الوطنية المتمثلة في عروبة البحرين واستقلالها ووحدة اراضيها وانتمائها الاقليمي كجزء من الخليج العربي الذي يشكل تكوينه الجيوسياسي احد اقاليم الوطن العربي.
على أية حال اننا مطالبون اليوم كيف نجنب هذا الوطن مخاطر الانقسامات الطائفية والكل يعلم ما تمارسه اليوم بعض المنابر الدينية والاعلامية والاصوات المتطرفة هنا وهناك من مهمات مرفوضة تفضي الى المزيد من التفرقة في حين كما او ضحنا سلفا ان البحرين هي وطن للجميع وان توطيد امنها واستقرارها في تعايش اهلها في ظل الانفتاح والتعددية والبناء الديمقراطي الذي أكد عليه ميثاقنا الوطني وبكلام آخر في ما انجزناه من إصلاحات وتحولات معاصرة وان كانت في أمس الحاجة الى التراكم والتجذر وهذا يرتبط بالاساليب الوطنية السلمية لا بالعنف ولا بسياسة «التطنيش» التي لا تجدي نفعا.
وهذا بطبيعة الحال يحملنا مسؤولية وطنية كبرى خاصة في هذه الظروف التي تتعرض فيها البحرين الى أخطار خارجية ابرزها التهديدات الايرانية التي تسعى الى بسط نفوذها على دول المنطقة.
الأيام 19 نوفمبر 2011