معظم ما أفاضت به القرائح حول الحالة البرلمانية بدءا بالانتخابات التكميلية، ثم الإعادة، والمقاطعة وإفرازاتها، مرورا بالنتائج ثم التركيبة الجديدة التي آل اليها مجلس النواب، وخارطة التكتلات والمفاجآت التي حدثت على صعيد رئاسات اللجان البرلمانية، وانتهاء بالرهانات على مستوى الأداء مجلسا وافرادا وكتلا، وما اذا كان هذا الاداء سيثرى التجربة البرلمانية ام لا..ام سيظل مستثيرا للمشاعر ومصدرا للغط والغلط؟ فانه مهما كانت الرؤى والملاحظات والمآخذات والاعتراضات والمقارنات والتوجسات المزمن منها والحديث حول تلك الامور، وحول الاستحقاقات الانية والمقبلة الملحة الملقاة على عاتق البرلمانيين وعلى مجلسهم، فانني اظن ويظن معي كثيرون بان المهم والاهم ان يشعر البحرينيون او معظمهم على الاقل المحاصرون بالازمات المعقدة ولعبة الاخفاقات وهم يشهدون مستهل دورة برلمانية جديدة، بان النواب الجدد قبل غيرهم بصرف النظر عن الملاحظات التي لهم او عليهم قد يفاجئوننا بما لم يكن في الحسبان..!! بمعنى، وبالمختصر المفيد، ثمة من رأى بان ما قاله النواب الجدد ومنهم تحديدا الذين اطلوا علينا بكتلة برلمانية جديدة باسم البحرين، وبشرونا في اول اطلالة لهم علينا، بانهم كتلة نابعة من رحم الشعب ورافضة للانتماءات الحزبية والتحزبات الفئوية والطائفية والعرقية، وان اجندتها الوحيدة هي الوطن والمواطن، ودعم الوحدة الوطنية، وانها ملتزمة بالعمل على تكريس المواطنة، وبانها كتلة لن تستنزف الوقت والجهد فيما لا نفع فيه او يعكر نسيج المجتمع البحريني، ثمة من رأي بان هذا الكلام الذي هو كلام جميل من دون شك هو رسالة تلقاها الجميع «بعلم الوصول» مفادها ان هناك نوابا لن يكونوا من النوع الذي يضيف الى الهم جرعة مضاعفة وبانهم سيخالفون توقعات من يراهن بان اداء المجلس في الفترة المقبلة سيتراجع.
الجميل ايضا ان يأتي هذا الالتزام في غمرة الضجيج الحاصل الان، والواقع المرير الراهن، والانقسام العمودي والافقي المستمر على قدم وساق في مجتمعنا، وطالما ان النواب المعنيين وكتلتهم الجديدة قد اكدوا بانهم متمسكين بالوسطية، وبنبرة الاعتدال، وصوت الاعتدال وكلمات الاعتدال، وانهم متأهبون على اعلى مستوى من الاستعداد لما يحقق اجندتهم التي لا تعرف سوى الوطن والمواطن وطموحات الشعب بكل انتماءاته. مادام الامر كذلك فاننا نستطيع من هذا الفيض وهذا الشرح وهذا الالتزام ان نستنتج بان الطبقة الجديدة من النواب تعرف مثلما يعرف الاخرون وعابرو السبيل بان مجلس النواب كان في يوم من الايام باعثا على صناعة القلق حينما ادت الممارسة البرلمانية وحالة التجاذبات بين الكتل الى انزلاقات ومخاطر طرقت ابوابنا من دون استئذان، وفعلت في الوطن والناس ما هو بعيد عن الحكمة وخارج عن العقل والمنطق واهدرت الدور الرقابي للمجلس وميعت استجوابات ومسائلات وطأفنتها واقحمت الممارسة البرلمانية في دائرة الدوران والتوهان واللعب على الكلام والحبال. وانهم في ضوء ذلك عازمون على اداء افضل يكترث لخطورة اللحظة التي يعيشها الوطن.
لسنا في حاجة الى تذكير النواب، الجدد والقدامى على حد سواء بتلك الحالة، واظن باننا لسنا في حاجة الى من يتحدث عنها ويشير اليها الان باستفاضة، ربما يكفى التذكير، مجرد التذكير بان نوابا كثر شغلوا مجلس النواب عن نفسه فنسوا مهمته ومهمتهم الاصلية في الرقابة والمساءلة والتشريع، وكاد نواب اخرون ان يكتفوا بالاشادات والمناشدات والدوران في فلك مراكز قوى وضواحيها وتوابعها وكأنهم ناطقين رسميين باسمها او موظفين في اجهزة علاقات عامة، فيما انطبق على بعض النواب المثل «ان حضر لا يعد وان غاب لا يفتقد»، مقابل اخرين تفننوا رؤية وطرحا ومواقف في مصارعة افاق غير الافاق المطلوبة «وتخبيصات» ادت فيما ادت الى لغة خطاب متدن والى توتير وتأزيم وتعصب وطأفنة كل قضية وطنية من دون حرج وبدا واقع الحالة البرلمانية مثيرا لما يفوق العجب.
نذّكر بذلك على امل ان الذكرى تنفع المؤمنين، الهدف والرغبة ينحصران بان لا يكون النواب الجدد من محترفي تفويت الفرص، وان تكون «خميرتهم» من النوع التي تجعلهم قادرين على تقديم اداء معافٍ ومجد وفعال وقريب من القلوب والعقول ومن نبض القلقين على ما يحدث في واقعنا الراهن، اداء يبتعد بنا عن الهرج السياسي والاستعراضات المبتذلة واثارة النعرات الطائفية والمذهبية أدفينة كانت ام سافرة،كتلك التي نخشى ان تكون اول الغيث التى اطلقها النائب اياه في مستهل عمله البرلماني في تصرف ليس عادياً ولا طبيعياً ولا هو حتماً تصرف نائب مسؤول يفترض انه يمثل الشعب.. هو تصرف ان ذكّر بشي فانما يذكر بالمصارعة التي لم يعد ينقص اصحابها سوى قفازات الملاكمة وهم تحت حلبة البرلمان..!
على اي حال، هل يمكن التعويل بان يكون النواب الجدد وحتى القدامى رغم كل الملاحظات التي لهم وعليهم وامام زحف مختلف آفات التقاطع والانشطار، والرهانات على البرلمان التي هي من النوع الذي يزيد الهموم ولا ينقصها، هل يمكن المراهنة والتعويل بأن يكونوا قادرين ومتمكنين ومؤهلين وقبل ذلك هل هم جادين ومخلصين على فعل ذلك وعلى عدم اغتيال المستقبل أو على الاقل عدم جعله مليئا بخيبات الأمل .. هذا هو التحدي .. او فلنتهيأ لخيبة أمل مجددا.
على الهامش هل تذكرون ذلك التصريح الوعد لرئيس لجنة التحقيق البرلمانية في تجاوزات مستشفى الملك حمد المنشور في الصحافة المحلية في 15 يونيو 2011. هذا التصريح لم يسقط من الذاكرة، ونعود اليه مجددا لنذكر به فهو يعبر إجمالا عن احد أوجه الخلل في الأداء البرلماني، وخاصة على صعيد المساءلة والمحاسبة والرقابة. نعود الى صلب الموضوع .. الى التصريح اياه فرئيس اللجنة المذكورة اعلن بانه سيكشف في الايام القادمة عن التجاوزات وبالتفاصيل وبالاسماء والارقام. وقال ان التجاوزات فاقت التوقعات وان ميزانية المشروع ارتفعت بقدرة قادر الى 94 مليون دينار فيما قيمة المشروع لا تتجاوز 40 مليونا. ذلك كله منشور وموثق .. مرت الايام تلو الايام .. والناس تنتظر وتترقب.. وتم السكوت فجأة عن الموضوع .. هل نضب الكلام، ام ان ذلك الكلام كان عابرا، على اي حال نذكر النائب المحترم بكلامه وبوعده وبشيء اسمه المصداقية..!
صحيفة الأيام 23 أكتوبر 2011