كثيرا ما يدور الحديث عن الاختلالات التي تعتور اقتصادنا الوطني ونظامنا التعليمي والتركيبة السكانية لمجتمعنا وضرورة إصلاح مثل هذه الاختلالات… بينما يتم الحديث في المقابل على استحياء عن الخلل السياسي الأخطر الذي تعاني الكويت منه الأَمَرْين، وعما يفترض تحقيقه من إصلاح سياسي جدّيّ وجذري وشامل وناجز.
وأجزم هنا على نحو قاطع أنّه من الوهم الحديث عن إمكانية تحقيق أي إصلاح ذي معنى للاقتصاد أو التعليم أو التركيبة السكانية أو إصلاح غير ذلك من أوضاعنا المختلة في ظل السكوت عن الخلل الأسوأ على مستوى الإدارة السياسية للدولة… ذلك أنّه يستحيل تحقيق إصلاح هذا القطاع أو تصحيح هذا الجانب أو ذاك من جوانب حياتنا بمعزل عن تحقيق الإصلاح السياسي الذي هو المدخل الأساس لأي إصلاح أو تصحيح… فلا يمكن إنجاز مهمة إصلاح الاقتصاد الوطني والنهوض به، أو إصلاح التعليم وتطويره، أو تصحيح الاختلال في التركيبة السكانية تحت قيادة إدارة سياسية سيئة ومتخلفة ومفسدة وفاسدة، ناهيك عن افتقادها الكفاءة السياسية وقصورها الذاتي وعجزها عن القيام بأبسط واجباتها في إدارة الدولة.
ومن هنا؛ فإنّ الأولوية يجب أن تكون للإصلاح السياسي… وهذا ما يتطلب بداية تشخيص ما يعانيه واقعنا السياسي من تناقض وأوجه خلل يبرز في المقدمة منها التناقض الرئيسي غير المحسوم تاريخيا القائم بين النهج السلطوي وعقلية المشيخة من جهة وبين مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة ومتطلبات التطور الديمقراطي لمجتمعنا من جهة أخرى، وما أدى إليه هذا التناقض من تعطيل لمشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة الذي انطلق مع الاستقلال في 1961 ثم تعرّض للإعاقة والعرقلة وأخيرا التعطيل… وما نجم عن هذا التناقض من تكريس لنهج الانفراد بالسلطة والقرار على نحو متعارض مع النظام الدستوري على قصوره؛ حيث تتجلى أبرز مظاهر هذا الانفراد بالسلطة في احتكار المناصب السيادية على مستوى السلطة التنفيذية؛ وتحويل مجلس الوزراء إلى جهاز إداري تابع يضم وزراء تنفيذيين لا سياسيين؛ لا حول بأيديهم ولا قوة؛ ولا مشاركة لهم ذات بال في الإدارة السياسية للدولة…
هذا بالإضافة إلى ما تعرّض له “دستور الحدّ الأدنى” من إفراغ سلطوي متعمّد ومتواصل لمضامينه الديمقراطية عبر سلسلة من القوانين والإجراءات المقيدة للحريات والمتجاوزة على الحقوق الديمقراطية للمواطنين… وكذلك ما تواصل من تدخلات سلطوية فاضحة وعبث مكشوف في العملية الانتخابية وإفساد مستمر للمؤسسة البرلمانية باستخدام المال السياسي والرشوة والخدمات والتسهيلات لشراء الغالبية النيابية “التابعة”، وما فضيحة الإيداعات المليونية في الحسابات المصرفية لعدد من النواب إلا إحدى تجلياتها التي انكشفت، وهناك كثير غيرها من ممارسات الإفساد السلطوي التي لما يُفضح أمرها بعد.
وبالتالي فإنّه من الطبيعي في ظل الخلل الأكبر الذي يعانيه واقعنا السياسي أن نشهد اختلالات بنيوية أخرى في مختلف مجالات الحياة، بل أنّ هذه الاختلالات عرضة لأن تتفاقم أكثر فأكثر ما دام هذا الواقع قائما لم يتغيّر، ومن ثَمَّ فإنّه من غير المجدي افتراض إمكانية إصلاح أيٍّ من هذه الاختلالات مع استمرار السكوت عن الخلل الأخطر على المستوى السياسي؛ أو الاكتفاء بالحديث عنه على استحياء… فهذا الخلل هو مصدر الاختلالات والعلل!
عالم اليوم 16 أكتوبر 2011