لا أجد تفسيراً منطقياً لمهاجمة البعض – في هذا الوقت بالذات – هيئة الاتحاد الوطني التي تشكلت في خمسينيات القرن الماضي بعدما مرت البحرين بشقاق طائفي بغيض يشبه إلى حدٍّ بعيد ما تمر به البحرين اليوم إلا الخوف من تكرار تجربة الهيئة مرة أخرى.
لقد عاشت البحرين منذ مطلع العام 1953 ولغاية العام 1954 حالة من التشرذم الطائفي نتيجة حوادث يرى البعض أنها كانت عفوية، فيما يرى البعض الآخر أن المستعمر الإنجليزي استغل مثل هذه الأحداث ولعب دوراً فاعلاً في إشعالها وتغذيتها بعد تزايد الوعي القومي في المستعمرات البريطانية ومن ضمنها البحرين بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر بقيادة جمال عبدالناصر العام 1952، وخوفها من انتشار هذا الوعي في جميع أرجاء الخليج العربي.
فالهيئة التي تم تأسيسها بعد سلسلة من الأحداث الدامية التي راح ضحيتها عدد من المواطنين برصاص المستعمر البريطاني خرجت من رحم الشعب بعد أن استشعر الجميع بأنه لا مجال للقضاء على الفتنة الطائفية إلا من خلال الوحدة الوطنية والمطالبة بالحرية للجميع. ولذلك تمت الدعوة لاجتماع عام عقد في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1954 في السنابس، حضره ممثلون عن جميع القرى والمدن في البحرين، وتم اختيار لجنة تنفيذية عليا من 120 شخصاً من الطائفتين، كما تم انتخاب 8 أعضاء، أربعة منهم من الطائفة الشيعية وأربعة من الطائفة السنية كلجنة تنفيذية.
لا يزعم أحدٌ بأن أعضاء الهيئة كانوا من الملائكة، ولا يفترض أحدٌ أن الهيئة أو رموزها لم يرتكبوا أخطاءً, ولكن ما قاموا به من عمل وطني جنّب الشعب البحريني المزيد من الشقاق الذي كان من الممكن أن يصل لحد الاقتتال, يجب أن يغفر لهم هذه الأخطاء.
من المفترض أن تكون فترة الهيئة التي أسستها مجموعة من المواطنين الشرفاء من الطائفتين، والتي استمرت لمدة عامين من أنصع فترات التاريخ البحريني, عندما توحَّد جميع المواطنين ضد الاستعمار البريطاني ورفعوا مطالب عامة من أجل تطوير الجهاز الإداري في الدولة والمشاركة في إدارة شئون البلاد، تتلخص في تأسيس مجلس تشريعي يمثل الأهالي تمثيلاً صحيحاً عن طريق الانتخابات الحرة، ووضع قانون عام للبلاد جنائي ومدني، والسماح بتشكيل النقابات العمالية وتأسيس محكمة عليا للنقض والإبرام.
في الفترة الأخيرة تعمد البعض تشويه صورة الهيئة وقادتها عبر تزوير التاريخ، فهم يزعمون أن المعتمد البريطاني استطاع اختراق عدد من أعضاء الهيئة «وتلبية بعض مطالبهم الطائفية والفئوية»، ولذلك «إن بعض الأعضاء تسببوا في انحراف عمل ورسالة الهيئة، فتساقطت شيئاً فشيئاً حتى غابت عن المشهد مع أعضائها والمتعاطفين معها».
والصحيح أن الهيئة لم تغب عن المشهد السياسي بسبب انحراف عدد من أعضائها ولكن ما حدث هو التحالف في ذلك الوقت مع المستعمر البريطاني على ضرب الهيئة واعتقال قادتها وسجنهم ومن ثم نفيهم إلى جزيرة سيلان بهدف عدم تلبية مطالب الشعب، وهكذا تم القضاء على الحركة.
في كتابه «من البحرين إلى المنفى سانت هيلانه» والذي يؤرخ لهذه المرحلة المهمة من تاريخ الشعب البحريني في مقاومته للاحتلال الإنجليزي، يذكر الأمين العام لهيئة الاتحاد الوطني عبدالرحمن الباكر أن «الإنجليز وحسب التقارير الكاذبة التي يتلقونها كانوا يعتقدون بأن هناك مخططاً مدروساً خطط له في مصر وينفذه أعوان جمال عبدالناصر في البحرين»
صحيفة الوسط البحرينية - 25 أكتوبر 2011م