يتطرق البعض إلى موضوع الاحتقان الطائفي بصفته نتاجاً متفرعاً من نشاطات بعض الجمعيات السياسية، أو بعض الذين يكتبون ويهيمون بتخيلاتهم حول الآخر بشكل يخرج عن نطاق المعقول. والواقع أن هذه كلها عوارض وليست أسباباً، فالسبب يعود في هيكلية السياسة وطريقة التعامل المؤسسي في الدولة، وهذا ينعكس على المجتمع والحياة العامة بالطريقة التي نراها. فلكي نحقق الاندماج بين مختلف مكونات المجتمع، ولكي تتقدم فكرة الوطن والمواطن، بدلاً عن الطائفة والانتماء إليها، فإن الدولة يجب أن تكون جامعة لكل المكونات، وتحتضن الجميع، وتبقى على مسافة واحدة من الجميع، وأن تكون الفيصل المحايد عندما تحدث مشكلة ما.
ولو رجعنا إلى تجارب البلدان الأخرى، مثل الهند، فسنجد أنه كان هناك اتجاهان داخل المسلمين في شبه القارة الهندية عند الاستقلال في العام 1947، أحدهما تزعمه «مولانا أبو الكلام آزاد»، والآخر تزعمه «القائد الأعظم محمد علي جناح». آزاد كان قائداً رئيسياً في حزب المؤتمر الهندي، وجناح كان زعيماً لحزب الرابطة الإسلامية. آزاد اشتغل من أجل دعم الوحدة بين الهندوس والمسلمين، وعارض تقسيم الهند على أسس دينية – طائفية، بينما جناح وجد أن التعايش مع من يعلن عداءه الظاهر والباطن للمسلمين ليس ممكناً؛ وبالتالي دعا إلى انفصال المسلمين في دولة خاصة بهم، وهي باكستان، وذلك للحصول على الأمن والحقوق والسيادة.
ولو راجع المرء كتابات وسيرة الرجلين فلربما يقتنع بكليهما؛ لأن كل واحد منهما ينظر إلى الأمور بشكل مختلف، ويستطيع إثبات وجهة نظره بالاعتماد على مجريات الأحداث. ولكن، ومع كل ما قيل بشأن ضرورة الانفصال، فإن قيادات مسلمة مثل «آزاد» رأت أن المسلمين يجب أن يكونوا جزءاً محورياً في تأسيس الهند الحديثة، وأن يحصلوا على كل حقوقهم ضمن نظام يعترف بهم كمواطنين من دون انتقاص.
ولو أتبعنا فكرة «آزاد» في البحرين، فإن معالجة الاحتقان الطائفي تتطلب أن تتم معاملة الشيعي والسني كما تعامل الدولة الهندية حالياً المسلم والهندوسي. فعلى الرغم من العداء بين الهند وباكستان والحروب السابقة والأحداث الإرهابية المتلاحقة، لا تجد أيّاً من المؤسسات الأمنية والاستراتيجية والخدمية تمنع الهنود المسلمين من دخولها، بل إن المسلمين الهنود يتولون مواقع حساسة جداً في هيكلية الدولة، ولا تسمع في يوم من الأيام حملة صحافية أو رسمية ضدهم تتهمهم بالعمالة إلى باكستان أو أي دولة مسلمة أخرى. إننا بحاجة إلى دراسة تجارب الآخرين لنعرف كيف نسيطر على الاحتقان الطائفي بدلاً من أن نفسح المجال لمن يود تقسيم الشعب إلى شعبين
صحيفة الوسط البحرينية – 13 سبتمبر 2011م