بادئ ذي بدء وقبل أن نسترسل.. تلح علينا هذه التساؤلات:
– ما هي الاعتبارات التي سيضعها من هو مؤتمن اليوم على مصالح الناس في حساباته الدقيقة فيما هو قادم من الأيام..؟!
– هل ستقوم القيادات الوطنية والعقلاء ومن في حكمهم من أرباب الفطنة وبعد النظر بالبحث عن وسائل فاعلة تخرجنا من وضع لم يعد محتملا، لا نراه مسبوقا ولا نحسبه ملحوقا..؟!
– هل ثمة عمل مفترض ان يقوم به كل مواطن، وكل مؤسسة من مؤسسات مجتمعنا المدني يهدئ النفوس ويبرد القلوب، ويبعدنا عن حالة العداء والاستعداء ومداوة المرض بالمرض..؟!
– هل استخلصنا الدروس والعبر من الأزمة التي مررنا بها لنتجنب اولاً الأحقاد والفتن وانفلات المشاعر الطائفية والتفتيتية.. ونتجنب ثانيا المصائد التي يحلو للبعض ان ينصبوها لنا حتى نحسب ان أخطاءنا انتصارات وانتحارنا بطولة..؟!
– هل يمكن ان نلتف حول برنامج، او برامج، او مبادرة، او مبادرات فكرية محددة برؤية وطنية خالصة ومستنيرة تبطل لهو البعض في خلق كل اشكال الانقسام والتباعد وكأن الوطن والناس دمى يقذفون ويتقاذفون به وبهم..؟!
– هل الخطة الوطنية لنشر التسامح لتقوية النسيج الاجتماعي وتعزيز اللحمة الوطنية التي أعلنت أخيرا وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية عن تبنيها هي خطوة جادة وهل يمكن ان نستنتج منها استنتاجا واضحا وصريحا بأنها ستمضي وفق رؤية جلالة الملك وتذهب بنا الى الآفاق المأمولة واللازمة والفاعلة والمؤثرة. وهل هذه خطة للوزارة ام خطة وطنية للدولة تتشارك فيها كل الوزارات والهيئات الرسمية، وهل هذه الخطة قادرة بان تلعب الدور اللازم الذي يدفع الى إعمال العقل، عقل الرؤية التي توقف الإمعان في الخطأ ولا تجعلنا نركز على الأمنيات والتمنيات والدعوات والكلام الطيب فقط، بل العقل الذي يطرح ويتبنى مبادرات شجاعة وقرارات صعبة ولا يهتم بالبهرجات الإعلامية الآنية التي تقول كل شيء ولا تفعل شيئا أمام الوضع الراهن بكل تعقيداته وأزماته المرضية..؟!
– هل سنبقى نظل نضيع الوقت الطويل في المناقشات والأقوال والأفعال غير المجدية التي تعطل وتعيق بث روح التوافق والتسامح وتعرقل بلورة الإرادة الجامعة الحقيقية التي ليس علينا إلا ان نضع أيدينا على مفاتيحها حتى لا يظل الكلام مجرد كلام طيب لا يجسد ولا يمثل في الواقع الحي..؟!
– هل تتوقف عمليات المتاجرة بالظرف والوضع الراهن وتنتهي محاولات من يريد لنا انعدام الوزن والخفة السياسية وعدم استعمال العقل والمنطق..؟! وتتوقف معها محاولات جوقة الردح والتأزيم الذين يصرون الى جرنا نحو ما يبدد طاقاتنا ويضاعف هموم الناس ويعاظم الاخطاء والخطايا ويزرع الاحقاد وتنال من عافته مجتمعنا وتهديد مناعته..؟!
– هل ستكون هناك جدية غير مسبوقة صارت لازمة في التعامل مع لب مشاكلنا، وجوهر تطلعاتنا وأساس توافقاتنا؟ وهل يدرك الجميع بان الجدية هي ما يهمنا وما نحتاج اليه اليوم.
تلك التساؤلات وغيرها كثير ليست للتشكيك وان يكن الشك في موضعه في كثير من الأحيان، الأسباب الموجبة لها وفحواها وأبعادها هي كلمة جلالة الملك في اواخر شهر رمضان والأصداء التي قوبلت بها، وهي الكلمة التي حفلت برسائل لا يستطيع المرء إلا أن يستقبلها بالحفاوة والترحيب، فهي وزعت جرعات التفاؤل التي بتنا اليوم أحوج ما نكون إليها أمام وضع من مصلحتنا، ومصلحة بلدنا ومجتمعنا.. واقتصادنا ان نضع حدا له اليوم قبل الغد، واذا كان جلالة الملك قد اختار ان يؤكد على ما يقلقه وما لابد من حسمه، فانه يصر على الذهاب بنا في الاتجاه الذي لا يمكن معه التردد لترميم البناء وتغليب لغة العقل ونبذ الفرقة والايمان بحتمية التسامح والتعايش وعودة النسيج الاجتماعي، وهي الرسائل التي اكد عليها واعتبرها المخرج الوحيد للنهوض بالوطن من جديد.
لا يمكن الاكتفاء هنا بتلك الاشارات او الرسائل، اذ انه من المهم، بل بالغ الاهمية ان نتوقف بتمعن امام تأكيد جلالة الملك بان «لا احد منا يريد ان يعيش وحيدا بطيفه وان نستبعد الاخرين، وان نجاحنا في إخائنا المتنوع وانه لا يجب ان لا نغفل حتمية التعايش المشترك، وانه بات من واجب الامة ان تتناسى خلافاتها وان تتوجه نحو وحدتها وخاصة في ظل جوامع ومشتركات كفيلة بتحقيق هذا الهدف..».
إن تلك الرسائل او الإشارات تكاد تضعنا ام هي وضعتنا وانتهينا، أمام مسؤوليات يفترض ان يستوعبها ويتجاوب معها الجميع دون إبطاء ويأخذونها بمنتهى الحسم والجدية، ولكننا امام الوضع الراهن بكل تعقيداته ومساراته، وباللغة نفسها، والمنطق نفسه، نرانا نبدي خشية من هؤلاء الذين يتأخرون عمدا او يتلكؤون في التفاعل والتجاوب مع دعوات العاهل – احيانا لأسباب انتهازية بحتة – ولا يريدون الاقلاع عن التفكير في انهاء حالة النزاعات والصراعات والانقسامات، بدل ان يكون الجميع فريقا في التخطيط للمستقبل.
احد أمرين أمامنا.. ان يبقى الحال على ما هو عليه لا سمح الله، فيزداد ابناء الوطن انقساما وتباعدا وفي حالة سجالات تحريضية دائمة تزيد من العلل والأخطاء والحماقات والعصبيات والأخطار التي يطول شرحها ولا حاجة للاستفاضة والتي تضرب الجميع في الصميم مجتمعا واقتصاد، والأمر الثاني ان يقتنع أبناء البلد أينما كانت مواقعهم وكيفما كانت المسؤوليات وبمزيد من الصفاء والموضوعية والوطنية بان الطائفية لم تكن في يوم من الايام حارسة للقضايا الوطنية وبان استمرار ما نحن فيه من وضع ليس من فضائل اي حكمة. وعليه لابد من ان نعود الى ما دعا اليه جلالة الملك، لا نريد قراءات ولا ممارسات لا تنسجم والفهم الصحيح لمضمون الخطاب، ولا قراءات خاطئة من قبل البعض قد تعنى كل شيء ايجابي ولا تعنى شيئا في نفس الوقت على ارض الواقع الملموس.. المطلوب الوعي والجدية وافكار خلاقة ومبادرات بناءة ومقنعة وفاعلة ومؤثرة وفيها كل عناصر المصداقية تجعلنا نجني حقا ثمار العقل وحسبنا كلمة جلالة الملك فهي تختزل المطلوب وهذه الحقيقة من السداد التذكير بها. وعليه نسأل الجميع ماذا أنتم فاعلون؟!