بعد ان أوغر كل فريق صدور أتباعه وجماهير طائفته بالأحقاد والضغائن.. حزب الحركة القومية المتحدة (Muttahida Qaumi Movement) الذي يمثل مصالح غالبية سكان المدينة الناطقين بالأردية ممن يُسمون بالمهاجرين في مدينة كراتشي الباكستانية.. وحزب عوامي الوطني الذي يمثل الأقلية البشتونية الآخذة بالتكاثر في المدينة نتيجة لتوافد أعداد جديدة من البشتون إليها لأسباب اقتصادية باعتبارها القلب التجاري النابض لباكستان أو للالتحاق، بدافع الفزعة الاثنية، بصفوف أبناء جلدتهم البشتون الذين قرروا حمل السلاح والانخراط في الحرب العبثية ضد طائفة المهاجرين الناطقين بالأردية.
فإذا كانت الحرب التي يخوضها الجيش الباكستاني ضد حركة طالبان الباكستانية الإرهابية في الشمال الغربي من باكستان تحتل صدارة الأحداث واهتمامات الرأي العام بسبب تسليط الأضواء عليها، فان حربا خفية بالغة الخطورة تدور رحاها في مدينة كراتشي الباكستانية الجنوبية، راح ضحيتها في العام الماضي (2010) فقط 775 شخصا بحسب منظمات حقوق الإنسان (تعطي الحكومة الباكستانية أرقاما منخفضة كالعادة – 500 قتيل)، أما الخسائر المادية فقُدِّرت بمئات الملايين من الدولارات، وهو ما ألقى بظلاله على المدينة (كراتشي) وعلى اقتصادها الذي يُسهم وحده بأكثر من 70% من الإيرادات الضريبية للخزينة العامة للدولة.
أين تكمن المشكلة؟
ظل المسلمون الباكستانيون النازحون من الهند بعد الانفصال في عام 1949، والذين أُطلق عليهم الباكستانيون لاحقا مسمى “المهاجرين” تمييزا، ظلوا يتمتعون بوضع معيشي مريح في مدينة كراتشي، حيث شكلوا غالبية سكانها، وبقي حزبهم حزب الحركة القومية المتحدة منفردا ومهيمنا على الحياة السياسية في المدينة قبل أن يتحول حزب الشعب الباكستاني (PPP) وحزب عوامي الوطني (ANP) الذي يضم في معظمه الأقلية البشتونية، إلى حزبين منافسين بقوة لسلطة ونفوذ حزب الحركة القومية المتحدة (MQM) في المدينة.
وقد كان للزحف السكاني البشتوني على المدينة دور في إذكاء المنافسة العرقية في كراتشي خصوصا بين الأغلبية الناطقة بالأردية (المهاجرين) وبين الأقلية البشتونية التي باتت تشكل 15% من سكان المدينة وتسهم بقسط وافر في اقتصاد المدينة، خصوصا بإمداده بقوة العمل الرخيصة، فضلا عن نجاح الحزب الذي يمثل مصالح هذه الأقلية، وهو حزب عوامي الوطني، في إيصال نائبين إلى البرلمان في عام 2008.
ولا يقتصر صراع النفوذ في المدينة على المهاجرين والبشتون، وإنما يمتد ليشمل سكان المدينة الأصليين من البلوش والمهاجرين.
وكان الصراع بين هذه الاثنيات قد تفجر بصورة مروعة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي بين البشتون والمهاجرين الناطقين بالأردية، ليستفحل في التسعينيات ويدفع الحكومة للتدخل الأمني المنحاز ضد المهاجرين وحزبهم حزب الحركة القومية المتحدة تم خلالها اعتقال الآلاف وقتل المئات منهم، فيرد هؤلاء بعمليات ثأرية استهدفت ضباط وجنود الشرطة. وبما أن أطراف الصراع، وقد وجدت نفسها متورطة، بإرادتها وبدافع من غرائزها اللا إنسانية، في دوامة حرب حقيقية مفتوحة، فإنها لم تجد غضاضة، والحال هذه، في استدراج المافيات وعصابات السطو المسلح والمهربين لأتون هذه الحرب المجنونة.
وبما أنها في التحليل الأخير لاقتصاديات العائد والتكاليف، حرب عبثية قوامها غرائز أحقاد وكراهية منفلتة، فليس من بين الأطراف المتورطة فيها من يستطيع الزعم انه الرابح في هذه الحرب المنزوية، فكل أطرافها خاسرون، وسيكتشفون ذلك في نهاية المطاف.. ولكن بعد أن يلحقوا أفدح الأضرار البشرية والمادية ببعضهم البعض.
قصة الحرب الأهلية المنسية في كراتشي تصلح لأن تُروى هذه الأيام للاعتبار بها وبدروسها البليغة.
حرر في 9 سبتمبر 2011