حول هذه العلاقة كتب الباحث شبل بدران موضحاً إذا كانت التنمية تعني نمو كل الإمكانات والطاقات الكافية في كيان معيّن بشكل كامل وشامل ومتوازن، سواء كان هذا الكيان فرداً أو جماعة أو مجتمعاً، وإذا كانت تعني أيضاً بأنها عملية حضارية شاملة لمختلف أوجه النشاط في المجتمع بما يحقق رفعة الانسان وكرامته، فإن اهم محاور التنمية وأهدافها هو توفير الحاجات الأساسية للإنسان وتحريره وتنمية قدراته على المشاركة، سواء كانت هذه المشاركة في العمل أو في العائد من خلال التوزيع العادل للثروة. ومن هنا، يعتقد ان مفهوم التنمية القائم على المشاركة يتضمن ثلاث قضايا جوهرية لا بد من توافرها حتى يتوازن المجتمع ويستقيم في علاقاته الداخلية، وهي:
*معالجة الفقر من خلال مشاريع التنمية الريفية والحضرية وتوفير الحاجات الأساسية للمجتمع.
* توفير فرص العمل لكل فرد للمشاركة مع الجماعة في القيام بدور مقبول في عملية التنمية والعمل المفيد، ويعني بذلك المشاركة في إنتاج الدخل القومي وفي عائد هذا الدخل.
* تحقيق قدر إنساني من المساواة والعدالة الاجتماعية والقضاء على كل تفاوت اجتماعي واقتصادي بين الطبقات.
ان مفهوم التنمية الذي أشار اليه «بدران» اشتمل على أبعاد مجتمعية مهمة، ومع ذلك كما يقول تجاهل هذا المفهوم الظروف التاريخية التي أسفرت عن الواقع الراهن الذي يعيشه العالم الثالث، ومن اهم هذه الظروف تلك التي أدت إلى تقسيم العمل في النظام العالمي، مما خلق دولاً هامشية – دول العالم الثالث – تحيط بدول المركز – الدول المتقدمة صناعياً والنتيجة من وراء ذلك استغلال وهيمنة ، أي كل عائد التنمية في دول المحيط يذهب فيما وراء البحار إلى دول المركز.. وحفنة صغيرة من الصفوة المسيطرة من مواطني العالم الثالث. وفي ظل هذه الإشكالية اي إشكالية الاستغلال والهيمنة التي أخذت بعداً اقتصادياً بعد ان كانت لعقود طويلة تدخلات عسكرية استعمارية مباشرة تتعارض وبشكل واضح مع الأهداف والمصالح الوطنية.
على اية حال، يضعنا ” بدران ” أمام رؤى وأفكار من شأنها ان تساعدنا أو تضمن لنا الحلول والعلاجات المناسبة لإشكالية التنمية المزمنة، وبالتالي فإذا ما تحدثنا عن تلك الحلول والعلاجات نعتبر ما أشار إليه ولاسيما فيما يتعلق بربط قطاع التعليم بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية هو المدخل الرئيس لتجاوز الواقع التعليمي المتردي، ومن هنا يستطرد قائلاً: «وإذا كنا نستطيع رصد هذه العلاقة فإنها تبدو واضحة في بعض الدراسات التي تعمل على ربط قطاع التعليم بالواقع المعاش، وفي رأينا تكون الحلول لهذه الإشكالية القائمة هي العمل على تقديم حلول بديلة للازمة الفعلية». ويضيف «هذا الموقف يعتمد على أسباب وعوامل مبررات كثيرة.. موقف ينطلق من فشل التبعية لدول (العالم الثالث) بصفة عامة وفي مجال التربية والتعليم بصفة خاصة». وبذلك، يتضح ان الدور الأساسي الذي يجب ان يقوم به التعليم في الدول العربية يكمن كما يؤكد عليه «بدران» في عمقه، كما نرى ذلك في الربط الجدلي بين التعليم ومتطلبات الواقع المجتمعي والاجتماعي؛ وذلك لمواجهة المشاكل الكثيرة التي أصبحت تطوق الإنسان في هذه الدول. ومن هذا المنطلق، يعتبر الكاتب ان البحث في الدراسات عن الحقائق الاجتماعية وكشفها أصبح من الضروريات لتجاوز الأزمة الراهنة لكن من غير إغفال دور الإنسان المسؤول الواعي في عملية التنمية، وكذلك من غير إهمال الاستفادة من الأبحاث العلمية بصفة عامة. وعلى الضفة الأخرى، يؤكد أيضا على ان تحرير المجتمعات السائرة في طريق النمو من الهيمنة الإمبريالية ومن التبعية الخطيرة أصبح كما نراه واقعاً بالغ الأهمية..
من هذا الاقتناع يعتقد انه يصبح المتعامل مع هذه الإشكالية يقوم بالأساس على إيجاد حلول نسبية للتناقض الصارخ القائم بين «العالم المتقدم صناعياً وبين دول «العالم المتخلف»، ويتوزع هذا العمل كما يراه من المفكرين بين مهمات متعددة ومتميزة متشابكة ومتفاعلة كذلك.
الأيام 4 سبتمبر 2011