اعتدت الحديث معه في المواضيع الجادة، كنت أظنه لسانه لا يتحرك إلا في القضايا الشائكة. أحاسب إلى مخارج المفردات والجمل بقدر ما أستطيع. سمعت عنه يوما، كان اسمه “سعيد سيف في مقابل سيف بن علي”، سيفان مختلفان، لكنهما لا يتحاربان، كل واحد منهما يضع سيفه في غمده ويخرجانه عندما يظهر عدوهما المشترك، الذي يريد الغدر بوطنهما. قرأت كتاباته الثورية.. خفت عليه مرتين: مرة لعناده في وطنيته التي لا تلين، ومرة أخرى لوضوح صراخه وصراحته في قول كلمة “لا” للظلمة والفاسدين الدكتاتوريين، هكذا يقولها في حينها دون ارتجاف أمام أكبر سلطان جائر!!.
اعتقدته لا يمزح، لا يطلق النكات، فثوريته أخذت ما أخذت من حياته وربما مماته.. وجدته بكل بساطة، مثلنا وربما عكسنا، لكن على الغالب مثل بقية البشر، أو قلة منهم من يتحلون بصفات الفراسة.. ذات ظهيرة أثناء المؤتمر الدستوري الثاني كنا في طابور “البوفيه” لتناول الغداء، وكان بجانبي رجل دين معمم فسألني سؤالا مسموعاً: بوسطة، ألا زلت اشتراكياً؟. أجبته: نعم ولا استنكف من اشتراكيتي، لن أدير ظهري عنها، ولا زلت مقتنعاً بأنها (الاشتراكية) منقذة للبشرية وأداة ثورية للتغيير.
ضحك أبوأمل في إشارة توصيل رسالة للمختلف المجتمِع في المؤتمر الدستوري مفادها: كلنا مختلفون، لكننا متساوون في الحق الوطني والدستوري والذي لو تم معالجته آنذاك لوفّر علينا كثيرا من الجهد والتضحيات على مذبح النضال الوطني، ولم نكن نصل إلى هذه المواصيل لو كانت البوصلة تتجه نحو الولاء للوطن واسترداد عافيته، لا إغراقه في تصنيفات الأشخاص ومواقعهم الاجتماعية والقبلية.
شجعتني مداعباته وابتسامته الدائمة أن أجرب “ميونتي” معه وحركة لسانه، كان ذلك في صيف 2004، وكنت للتو أنهيت قراءة رواية: “لوليتا” لفلاديمير بانوكوف، فقلت له: قُل “لوليتا” وعِد عدد قفزات لسانك إلى الأعلى والأسفل.. قَسِّم الكلمة بالشكل التالي: (لو ـ لي ـ تا).. أخيراً تحرك لسان أبو أمل فوجده “يقفز ثلاث قفزات صغيرة على الحلق ليأتي فيصطدم ثلاث مرات بالأسنان. “لو.لي.تا”…. ضحكنا، ضحكنا…. آآآآآه، يا بو أمل، ما بكيتك ما بكيتك، أنا بكاني رحيلك!!.
كم هو مؤلم أن يحصل لك ضربتين على الرأس في آن واحد؟!.. وقع نبأ رحيل الفارس العروبي، المناضل عبد الرحمن النعيمي كالصاعقة في الساعات الأولى لبدء تشييع شهيدنا الفتى علي الشيخ الذي اغتالته سبابة جاهلة بضغطة زناد من أسلحة الموت التي تشترى بقوتنا (….)، أي مصائب تتقاذف على ديلمون ـ أرض الخلود، التي قيل عنها بأنه “لا ينعق فيها الغراب”.
نعرف أيها الرفيق إن جسدك رحل عنا دون أن يفيق ولو لساعات لتخطب في منصة دوار اللؤلؤة، أو تستظل في خيمة “وطن حر وشعب سعيد”، أو تشرب من شاي الحرية التي تنفسناها جميعاً آنذاك، لتنام مستريح بتحقيق جزء من أحلامك وأحلام الفقراء، لكننا مؤمنون بأن موت المناضل لن ينهي القضية التي ناضلت من أجلها.. إلى الخلود يا أبو أمل فعلى دربك تسير الجماهير لانتصار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدمية.
حرر في 2 سبتمبر 2011