اختتم الحوار الوطني بخطاب ملكي من عاهل البلاد جلالة الملك، أكد متابعته لنتائج الحوار الوطني، حيث أمر جلالته بتفعيل المرئيات المتوافق عليها ومن ضمنها تحسين الوضع المعيشي للمواطنين من خلال زيادة عمومية في الرواتب شملت القطاع العام من المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، بينما القطاع الخاص لم يكن مشمولاً بهذا القرار، ما ولد إحباطاً عاماً لدى العاملين به، ونتمنى أن يصدر قراراً مكملاً ليشمل العاملين بالقطاع الخاص.
الأرقام التي نشرتها «الوسط» بتاريخ 4 أغسطس/ آب 2011 كشفت أن 67 مليوناً فقط كفيلة برفع رواتب القطاع الخاص بنسبة 15في المئة، وباستطاعة الدولة حل هذه المشكلة وبدعمٍ أقل بكثير من هذا المبلغ من خلال توجيه قرار من القيادة العليا بالدولة إلى الرؤساء التنفيذيين بالشركات الكبرى ضمن «ممتلكات»، (بابكو وبتلكو وبني غاز وألبا وطيران الخليج وأسري…) والمؤسسات المالية التي تندرج تحتها شركات التأمين وبنوك الأفشور والبنوك التجارية، والذي يتفاخر رؤسائها التنفيذيون دائماً في الصحف بما حقّقوا من أرباح عالية بالملايين. أفلا يتطلب الموقف الراهن تضحية من هذه الشركات بجزء من أرباحها لرفع الأجور وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين بالقطاع الخاص؟ ألم يحن الوقت ليساهم رجال الأعمال والشركات كما ساهم رجال الأعمال الكويتيون في رفع مستوى معيشة المواطن الكويتي، دعماً للاقتصاد والقرار السياسي الكويتي؟ وبهذه الخطوة سينحصر الدعم فقط للعاملين في المؤسسات الصغيرة التي لا يستطيع أصحابها القيام بهذه المهمة.
هذا المطلب جزء أساسي من هموم المواطنين بكل تياراتهم من موالاة ومعارضة، وستظل تساؤلات المعارضة مشروعة حول المرئيات غير المتوافق عليها، علماً أن رئيس مؤتمر الحوار خليفة الظهراني أكد في افتتاحه على رفع كل المرئيات المتفق والمختلف عليها لجلالة الملك. ونحن نعرف أن جوهر المشكلة هي المرئيات غير المتوافق عليها، من برلمان كامل الصلاحيات وحكومة تمثل إرادة الشعب ودوائر انتخابية عادلة، وعلاج ملف التجنيس ومحاربة الفساد الإداري والمالي. وسيظل السؤال مشروعاً: لماذا لم ترفع المرئيات غير المتوافق عليها؟ وهل هناك تصور بمؤتمر حوار وطني آخر بين المعارضة والسلطة؟ وهل مؤشرات التي تطرق بها ولي العهد سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة (حفظه الله) بأن مؤتمر الحوار الوطني ليست نهاية الطريق، بل هو البداية.
إن الاستقرار الأمني مرتبط بالاستقرار السياسي والاقتصادي، وأيضاً بدرجة الإصلاح واستمراريته، لتتلاءم مع الموجات المتصاعدة المطالبة بالتغيير في الوطن العربي، من مصر وتونس إلى اليمن والمغرب والأردن.
إن الخطوات الإصلاحية التي تمت بداية 2001 أصبحت بحاجة إلى تطوير لتلبي ظروف المرحلة، ولابد من السعي لوضع حلول سريعة للتحديات التي تواجه البلد، لئلا تتأزم الأمور أكثر، وعدم ترك القارب تتلاعب به الأمواج.
التحدي الأول: الانتخابات التكميلية التي أعلنت الجمعيات المعارضة عدم دخولها بسبب الظروف التي دفعت لانسحاب النواب من البرلمان ومازالت موجودة، ولا أعتقد أن من مصلحة الحكم أن يكون البرلمان لا يمثل المعارضة ما يزيد الفجوة بين المعارضة والسلطة، ويبتعد أكثر عن هموم الجماهير وقضاياها، وعن المطالب الحقوقية والسياسية والدستورية، ما يزيد من حالة الاضطراب.
التحدي الثاني: المسرحون من القطاع العام والخاص بلغ عددهم 2593 مسرحاً حسب مصادر الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، إذا كانوا يعيلون أسراً متوسط أفرادها 5 أشخاص، فهذا يعني أن عدد المتضررين من التسريح بلغ 12965 شخصاً، وهذا بحد ذاته قنبلة موقوتة قابلة للانفجار بأي وقت. ونتذكر أنه في العام 1965 تسبب تسريح 1500 عامل من بابكو أدى إلى انتفاضة استمرت عدة أشهر، فلهذا لابد من وضع حل لهذه المشكلة قبل أن تتفاقم.
التحدي الثالث: مشكلة البطالة، فحسب إحصائيات وزارة العمل بلغ عدد العاطلين 5394 عاطلاً، وبنسبة قدرها 3.7 في المئة، بينما هناك مصادر أخرى تؤكد أن نسبة العاطلين بلغت 15 في المئة، أي 21867 عاطلاً، علاوة على ذلك خريجي الثانوية العامة لهذا العام بلغت 1423 من البنات وأكثر من ذلك من البنين. وإذا افترضنا أن المتسربين من هذه المرحلة الثانية بحسبة 25- 30 في المئة لا يستطيعون مواصلة الدراسة الجامعية لظروف مادية، وكذلك الخريجين الجامعيين الذين يزيد عددهم على 2000 خريج جامعي سنوياً، فإن هذه الأرقام ستكون مخيفة بتراكمها عبر السنوات، ما لم يوضع حل جذري للمشكلة، وخصوصاً أنها مشكلة عالمية تعاني حتى الدول المتقدمة تكنولوجياً، والتي تمتلك قاعدة تصنيعية وتنمية حقيقية.
ولتخفيف نسبة البطالة عموماً، لابد من رفع مستوى التنمية الاقتصادية عبر تنشيط الصناعات الصغيرة والمتوسطة، ما يوسع مجال الخدمات في البنوك والتأمين والسياحة والفندقة لاستيعاب أكبر عدد من العاطلين، ولكن في ظل عدم الاستقرار السياسي تتفاقم مشكلة البطالة وما يرتبط بها من ظواهر اجتماعية من ارتفاع معدل الجريمة والسرقة والانحراف الخلقي والمخدرات والعنف.
التحدي الرابع: الملف الدستوري، وهو أهم الملفات وأساس الحركة المطلبية التي تبنتها المعارضة بكل تياراتها، بما فيها شخصيات من رجال الأعمال التي يهمها تطور الحركة الإصلاحية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وباعتقادي جدية الحوار بين المعارضة والسلطة سيوصلنا إلى عوامل مشتركة يتوافق عليها الجميع حتى لو تطلب الخلاف إجراء استفتاء شعبي عام ليكون الحكم الحاسم من أجل مصلحة الوطن ووحدته الوطنية وقيادته الحكيمة.
في نهاية المطاف نريد وطناً آمناً للجميع، وشعباً متعايشاً ومتسامحاً، بعيداً عن كل أشكال التطرف والتمييز الطائفي. كما نريد وحدة وطنية وترابطاً بين كل أطراف المجتمع، وتجنب كل العوامل التي تفكك وحدتنا وعلاقتنا المتينة والتمسك بكل ما هو مشترك لما فيه خير ومصلحة الجميع
صحيفة الوسط البحرينية – 28 أغسطس 2011م