لقانون الانتخاب في جميع البلدان، خصوصاًً المتقدمة، أهمية كبيرة تنجم عن وظيفته كأداة لإنتاج السلطة.. وهذا ما يملي جعله ملبياًً شروط التمثيل الصحيح للشعب.. ونظراًً للخصوصية التي تتميز بها الحياة السياسية المرتبطة بالتعدد الطائفي في بلدنا، فإن هذا القانون يستدعي معايير إضافية تتعلق بانتاج الوطن.. فالأساس الطائفي لقانون الانتخاب وللنظام السياسي في بلدنا، أوجد خللاًًً كبيراًً في التمثيل، وفي تحقيق وحدة داخلية للشعب والوطن، وجعل التنافس والصراع الانتخابي في مناخ تطغى فيه الطائفية وعصبياتها، وبعيداًً عن قضايا الشعب الحقيقية والموقف منها..
فالقانون الاكثري يقوم على إلغاء تمثيل قسم كبير، إن لم يكن الاكبر، من شعبنا، لأن من يفوز بموجبه، ينال اكثر بقليل من نصف أصوات المقترعين، ويُلغي تمثيل الذين ينالون مثلاًًً 45 أو 49%، مما يعني ان الفائزين كقاعدة لا يمثلون اكثر من 30% ، اذا كان عدد المقترعين 59% من عدد مجموع المسجلين في قائمة الناخبين.. وبالتالي فإن السلطة التي ينتجها قانون الانتخاب الاكثري، لا تمثل فعلياًً اكثر من ربع إلى ثلث الشعب.. ولا يكون امام الاوساط الشعبية المستبعدة من التمثيل، إلاّّّّّّ التعبير عن قضاياها ومطالبها في الشارع..
أما الأساس الطائفي للقانون وفي دوائر يغلب فيها اكثرية من طائفة واحدة، فعدا سلبياته في جعل الطائفية هاجساًً مفتعلاًًً لتكون اساساًًً للإختيار، فإنه ينتج تنافراًً وانقسامات بين الطوائف، تصل مفاعيلها الى استيلاد حياة سياسية في البلاد، تقوم على الانقسامات العمودية، والتمييز والتفاوت في الحقوق، فتستمر الحواجز في المجتمع الواحد، ويتحول التعدد من غنى للوحدة الى تناقض معها وتهديد دائم لثباتها..
وينجم من كل ذلك، تشويه للتمثيل الشعبي، ومجالس نيابية بعيدة عن مصالح الناس، وخاضعة لبضعة زعماء طوائف ومذاهب، يلتحق بكل منهم، كل أو معظم نواب طائفته الذين أتى بهم، فيتشوّّّّه ايضاًً دور النائب، وتبقى الطائفية سلماًً للوصول الى السلطة والوظيفة، وغطاء للفساد، ولتأبيد سلطة زعامات الطوائف او الاتيان بمن يرثهم من الاقربين..
وتصل مفاعيل هكذا نظام انتخابي اكثري وطائفي، الى تغييب مفهوم موحد للوطن، وجعل اولوية الولاء للطائفة وزعيمها، والنظر الى اي قضية، وطنية او غيرها، من منطلق مصلحة الطائفة بالدرجة الأولى.. كما تتحول السلطة والدولة، الى حصص يتقاسمها الزعماء باسم طوائفهم وحقوقها، فتفقد الدولة المعايير والاسس التي تجعلها دولة ديمقراطية حديثة ومتماسكة..
ومع تزايد الخلل الناجم من قوانين انتخابية متخلفة، وتكاثر التناقضات والازمات التي تتسبب بانتاجها مع النظام الطائفي القائم، اتسعت دائرة المتضررين من استمرارها، وازداد الحديث عن اهمية النسبية وافضليتها لجعل البرلمان ممثلاًً للتنوع الحقيقي للقوى السياسية والشعبية.. لكن ذلك لايعني ان الامر بات محسوماًً.. فالوصول الى اعتماد النسبية والدائرة الوطنية، يستدعي تلاقي وتحرك جميع القوى والاوساط السياسية والثقافية والنقابية، التي تطمح فعلياًًً لتحقيق التمثيل الصحيح، وقيام رابطة وطنية توحد الوطن.. وتحقيق هذا الأمر يشكل خطوة مهمة في طريق تنفيذ المداخل الاصلاحية المقرة في اتفاق الطائف واصبحت نصاًً دستورياًً.
ولا بد من التأكيد ان للدائرة الانتخابية اهمية كبيرة. فتقسيم لبنان الى دوائر يطغى فيها اكثرية من لون طائفي واحد، لم يحقق ولن يحقق وحدة فعلية للشعب والوطن، ويبقي التعدد بصيغته القائمة حالة متنافرة قابلة للتوترات والنزاعات، في حين ان الدائرة الوطنية تجعل جميع اللبنانيين يشتركون معاًًً في انتخاب لوائح تتشكل في المدى اللبناني، تتمثل فيها جميع المناطق، وتتراجع وتغيب فيها الشعارات والمزايدات الطائفية، ويصبح الاختيار على اساس البرامج والمواقف من القضايا الوطنية والاجتماعية والديمقراطية.. ولا تزيل النسبية والدائرة الوطنية التميّّّّّّز الذي تتسم به المجموعات اللبنانية، بل تلغي التمييز غير الطبيعي بينهم في الحقوق، فتفتح طريق الانتقال الى المواطنة التي تساوي بين اللبنانيين امام القانون، وتشكل اللبنة الاولى في بناء الوطن والدولة الديمقراطية المتماسكة..
النداء 168: كلمة/ موريس نهرا
24/08/2011