كما أوضحنا في مقالنا السابق المعنون “منظمة التجارة العالمية وقضية تغير المناخ” فإنه وبالرغم من أن “المانديت” Mandate) – التكليف) المدبج في متن مواد وقواعد اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية في ديسمبر 1994، لا يشمل موضوع التغير المناخي (Climate Change) الذي هو من الاختصاص الحصري لسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ وأداتها التنفيذية بروتوكول كيوتو، إلا أن الدول الغربية، الولايات المتحدة وبلدان أوروبا الغربية، الأعضاء في المنظمة جهدوا كثيراً من أجل تمرير وإدراج موضوع التغير المناخي ضمن أجندة عمل مختلف أطر التفاوض التابعة للمنظمة، وهي نجحت في ذلك إلى حد كبير في الواقع. حيث أُنشئت أطر مخصصة لمناقشة قضايا التغير المناخي بدعوى ارتباطها بالتجارة، والتفاوض بشأن كيفية استخدام آليات المبادلات التجارية الدولية لمكافحة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والمساهمة في تخفيف الضغط الواقع على البيئة وعلى المناخ.
فهناك لجنة التجارة والبيئة (CET) ولجنة التجارة والبيئة – دورة الانعقاد الخاصة (Committee on Trade and Environment Special Session – CTESS). فإنشاء هذه الكيانات في منظمة التجارة العالمية التي لم يكن موضوع التغير المناخي ضمن تكليفاتها المدرجة في اتفاقية إنشائها، يؤكد نجاح الدول الأوروبية والولايات المتحدة في وضع موضوع تغير المناخ ضمن الأجندة الدائمة والثابتة لمنظمة التجارة العالمية.
طبعاً هدف الأوروبيين والأمريكيين واضح، هم يسعون لشتى السبل والوسائل لاستغلال تصاعد الجدل العالمي حول قضية التغير المناخي وقلق الأسرة الدولية من مخاطرها وآثارها البيئية والاقتصادية الكارثية المحتملة (بحسب التقارير الأربعة التي أصدرتها حتى الآن الهيئة الحكومية للتغير المناخي (IPCC)، وهي الهيئة الاستشارية الفنية الرئيسية المعتمدة من قبل سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ) – استغلال هذا الجدل والقلق من أجل الحصول لشريحة واسعة من منتجاتها الصناعية والخدمية على تخفيضات وإعفاءات ضريبية وذلك من خلال تحقيق إجماع داخل الأطر التي أنشأتها في المنظمة لمناقشة مواضيع البيئة والتغير المناخي السالف ذكرها والتفاوض والاتفاق على تصنيفها باعتبارها منتجات صديقة للبيئة.
ولقد كان موقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بهذا الشأن واضحاً منذ البدء، أي منذ أن جرت المحاولات الأوروبية تحديداً للزج بمنظمة التجارة العالمية في مواضيع التغير المناخي لأغراض لا علاقة لها بالحرص الأوروبي المزعوم على خفض الانبعاثات وإنشاء رابطة صداقة بين التجارة (التي هي الموضوع الأساسي للمنظمة) بالبيئة.
فمن خلال إطرها المتخصصة والفاعلة في مجال تنسيق ومتابعة كافة الأمور المتعلقة بمنظمة التجارة العالمية مثل لجنة منظمة التجارة العالمية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وفريق مجلس التعاون لشئون الطاقة في منظمة التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الحرة، تعمل دول المجلس على تنسيق مواقفها بأكبر قدر ممكن من الإحكام والإتقان من أجل عدم الخلط بين التكليفات (Mandates) المختلفة للهيئات والمنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، وبالتالي العمل على فرملة اندفاع منظمة التجارة العالمية، لاسيما الدول الأوروبية والولايات المتحدة، الأعضاء فيها، نحو مزيد من الزج بمواضيع التغير المناخي في جداول أعمال ومفاوضات منظمة التجارة العالمية الجارية خصوصاً في مقر المنظمة في جنيف.
ولكن، ونظراً للشوط الكبير الذي قطعته الدول الأوروبية والولايات المتحدة في جهودها الرامية تمرير وإدماج موضوع التغير المناخي في قنوات التفاوض المختلفة لمنظمة التجارة العالمية وجعله أمراً واقعاً، فقد كان لابد لدول مجلس التعاون التعامل مع هذا الواقع اضطراراً ومسايرة لإيقاع التفاوض على المسائل ذات الصلة بموضوع التغير المناخي، رغم أن القبول بمبدأ التفاوض هنا ينطوي ضمناً على اعتراف صريح بأحقية وتفويضية منظمة التجارة العالمية للدخول على خط موضوع التغير المناخي.
ميزان القوى التفاوضي داخل اللجان والإطر التي نجح الطرفان الأوروبي والأمريكي في إنشائها، مختل بشكل واضح لصالح الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي تتوفر على أطقم تفاوضية مؤهلة ومدربة ومكرسة خصيصاً لمتابعة مواضيع التجارة والبيئة، والآن التجارة وتغير المناخ، وهي دول تحرص أشد الحرص على التواجد القوي والدائم في كافة اجتماعات هذه اللجان وفعالياتها الجانبية. هذا بالإضافة إلى تأثير هذه الدول الواضح على بقية الدول الأعضاء المنتمية إلى عضوية هذه اللجان، حيث تتمتع أوروبا والولايات المتحدة بسطوة المساعدات المالية والفنية على ممثلي هذه الدول النامية.
وشخصياً أعتقد أن منظمة الأقطار المصدرة للنفط “أوبك” لديها من الإمكانيات ومن الأسباب ما يدعوها لتشكيل فرق تفاوض إسنادية متخصصة في أعمال اللجان المختلفة في المنظمة، خصوصاً الموضوعات المتصلة بالطاقة وبضمنها مواضيع البيئة والتغير المناخي، وذلك على النحو الذي تفعله الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي اللذان يتعاملان مع المنظمة وهيئاتها بكل حِرفية من أجل الدفاع عن مصالحهما.
حرر في 14 غسطس 2011