من جديد طفت قضية العمال المفصولين على السطح، وطغت على اتجاهات الأوضاع السياسية. ودون الحاجة للعودة للأرقام، وبعيداً عن الغوص غير المبرر، في هذه المرحلة، في نسب البطالة، يمكننا القول إن مسألة «الفصل من العمل»، باتت تحتل مكانة متميزة في جدول أعمال العمل السياسي اليوم. ومحطات كثيرة في تاريخ البحرين السياسي المعاصر تشير إلى أن البطالة والقضايا العمالية كانت، كما في انتفاضة 1965 على سبيل المثال لا الحصر، من الأسباب التي فجّرت الأوضاع، وأدّت إلى توتير العلاقة بين المواطن والدولة.
من هنا تبرز ضرورة معالجة قضايا المفصولين من العمل من مدخل استراتيجي سياسي يأخذ في الاعتبار المسائل التالية:
1 – علاقة التأثير المتبادل بين المفصولين والأوضاع السياسية، وخاصة في هذه المرحلة بالذات، حيث تتداخل الأوراق بين ما هو معيشي أو خدماتي، وبين ما هو سياسي، وبالتالي تتحول القضايا العمالية، وفي المقدمة منها مسألة المفصولين، إلى ورقة ضغط سياسية ترجح كفة من يحسن استخدامها، وتضعف الأطراف الأخرى التي تقف في مواجهته.
2 – تداخل قضية المفصولين، أيضاً، مع ظاهرة التخندق الطائفي، وبداية ظهور بوادر تشير إلى إمكانية استغلالها في تأجيج النزعات الطائفية، والنفخ في أتونها، كي تنحرف من مسارها العمالي السليم، إلى طرق الطائفية المحفوفة بالمخاطر، والمكتظة بالانتهازيين والمتربصين الذين تنتعش أحلامهم في الأجواء الطائفية المريضة.
3 – انعكاس ذلك سلباً على الأوضاع الاقتصادية البحرينية وسوقها المالي، لما تثيره قضايا البطالة والاحتجاجات العمالية من مخاوف في نفوس المستثمرين الأجانب، بمن فيهم أصحاب الأموال الخليجيون، الأمر الذي من شأنه حرمان السوق البحرينية من «التدفق المباشر للرأس مال الخارجي». محصلة ذلك جفاف المنابع الخارجية، التي ليس من المستبعد، أيضاً، أن يجاريها الرأس مال المحلي، فيهرب إلى الخارج. والنتيجة النهائية تراجُع فرص العمل، نظراً إلى عدم وجود الرأس مال الذي يولد فرص عمل جديدة، وكل ذلك يقود، بطبيعة الحال إلى ارتفاع نسبة البطالة، وتحوُّل البطالة إلى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة التي تزيد الأوضاع سوءاً.
تأسيساً على ذلك تبرز الحاجة إلى ضرورة المسارعة إلى حل مشكلة المفصولين، وإعطائها الأولوية في المعالجات التي تسعى الدولة إلى أن تستعين بها لمداواة جروح الأحداث الأخيرة. وطالما أن الشيء بالشيء يُذكر، فلا بد، ونحن في سياق الحديث عن قضية المفصولين، أن نتطرق إلى الأطباء الاستشاريين الذين لا يزال البعض منهم بانتظار العودة إلى أعمالهم بعد أن سُمح لهم فتح عياداتهم، كما أن هناك أيضاً أساتذة الجامعة الذين بحاجة إلى من ينظر في قضيتهم.
وما لم تسارع الدولة إلى حل مثل هذه المشكلات، يتحول المفصولون، من دون قرار مسبق منهم، إلى ما يشبه القنابل الموقوتة المهيأة للانفجار في أية لحظة، وتدمير المشروعات الإصلاحية الأخرى، حتى وإن لم يخططوا لممارسة هذا الدور الذي لا يرضاه أحد لهم، ولا يرضونه هم لأنفسهم.
صحيفة الوسط البحرينية – 02 أغسطس 2011م