المنشور

هل يتحول التدخل الأطلسي في ليبيا إلى ورطة جديدة ؟


 
يمضي الوقت، ومع كل يوم يمر، منذ أن دشنت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الحليفة لها في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، حربها – الجوية حتى الآن – ضد ليبيا، استناداً وتوظيفاً ماكراً وخادعاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 الصادر مساء الخميس 18 مارس/آذار 2011، أي – ويا للمصادفة – بعد مرور شهر بالتمام والكمال على اندلاع ما سمي بثورة 17 فبراير في ليبيا – نقول مع كل يوم يمر على بدء العمليات الحربية الأطلسية في ليبيا، يزداد انزلاق أرجل حلف شمال الأطلسي وتورطه في الرمال الليبية المتحركة، ليضاف ميدان معارك جديد إلى ميدان القتال الذي وجدت نفسها متورطة فيه حتى أذنيها ونعني بذلك البلاد الأفغانية.
 
فما بدا في البداية انه مجرد غارات متفرقة لشد أزر القوات المناوئة لنظام العقيد معمر القذافي ومساعدتها على الاحتفاظ بالمناطق التي سيطرت عليها في الشرق الليبي وخاصة مدينة بنغازي، تحت ذريعة حماية المدنيين (بحسب نصوص تفويض قرار مجلس الأمن سالف الذكر) – سرعان ما تحول إلى حرب جوية وصاروخية مركزة ومكثفة لم تستثنِ حياة الرئيس الليبي نفسه وأفراد أسرته، حيث نجحت طائرات الحلف في إحدى غاراتها المركزة على مقر إقامة الرئيس الليبي، في إصابة وقتل أصغر أنجال القذافي وهو سيف العرب البالغ من العمر 29 عاماً وكذلك ثلاثة من أحفاد الرئيس وجرح بعض أقرباء وأصدقاء الرئيس الليبي، وذلك مساء السبت 30 أبريل 2011، فيما نجا القذافي نفسه وزوجته من الهجوم بأعجوبة نظراً لمغادرتهما منزل ابنهما قبيل الغارة. مع أن قرار مجلس الأمن رقم 1973 لم يتضمن أي نص يشي تفويضه بشمول القيادة الليبية استهدافات حماية المدنيين التي يتمحور حولها القرار.
 
وللمزيد من الإضاءة على مفارقة الموقف الأمريكي والأوروبي وسرعة تحركهما في المسألة الليبية، علينا أن نتذكر أن هذا الثنائي كان قد تحرك قبل ذلك أي قبل إصدار قرار مجلس الأمن رقم 1973، من أجل إصدار قرار يهدف لفرض عقوبات دولية على نظام معمر القذافي، وكان ذلك في السادس والعشرين من فبراير 2011، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي، بإيعاز من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وبالإجماع، قرار مجلس الأمن رقم 1970 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي نص على منع 16 شخصاً من السفر منهم الزعيم الليبي معمر القذافي وأبنائه الذكور وابنته عائشة وعدد من المقربين من النظام منهم عبدالله السنوسي واللواء أبوبكر يونس ومحمد قذاف الدم، وتجميد أصول الزعيم الليبي وسائر أبنائه ما خلا محمد القذافي وسيف العرب القذافي والساعدي القذافي، وحظر توريد الأسلحة لليبيا، مع الطلب من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتفتيش السفن المتجهة إلى ليبيا ومصادرة كل ما يُحظَر توريده وإتلافه. كما أحال مجلس الأمن، بموجب القرار، الأوضاع القائمة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيها.
 
وبعد، أوليست غريبة ولافتة تلك السرعة التي تحرك بها الأمريكيون ومن ورائهم الأوروبيين للتدخل في ليبيا تحت ذريعة إنقاذ المدنيين من بطش قوات العقيد القذافي؟
 
فلم تكد تنقضي تسعة أيام على اندلاع حركة الاحتجاجات الشعبية ضد النظام الليبي الحاكم، حتى هرعت واشنطن ولندن وباريس لاستصدار القرار رقم 1970 من مجلس الأمن وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ثم سرعان ما أَتْبعت ها القرار بقرار آخر أشد هو القرار رقم 1973 ولم يكن قد مضى على صدور القرار الأول عشرين يوماً. وكما نعلم فإن التدخل العسكري الأمريكي الأوروبي من خلال حلف الناتو في ليبيا والذي بدأ بعمليات قصف جوي غير منسقة ومتفرقة سرعان ما تحول إلى حرب مفتوحة يجري الحديث الآن في أروقة الحلف لتطويرها لتشمل عمليات برية، أي بما يتجاوز كلياً التفويض الممنوح لها بموجب القرار 1973.
 
وعندما لم يؤدِ هذا المستوى من التدخل في الصراع الأهلي الليبي إلى تغيير ملموس على الأرض، فقد أعلنت بريطانيا في 15 مايو/آيار الجاري انها ستضاعف قصفها لأهداف عسكرية واقتصادية في ليبيا وحثت بقية دول حلف الناتو على فعل الشيء نفسه. وبموازاة ذلك تم تحريك المحكمة الجنائية الدولية حيث أعلن مدعي عام المحكمة لويس مورينو اوكامبو انه قدم طلباً لقضاة المحكمة بإصدار أمر قبض على الرئيس الليبي معمر القذافي ونجله سيف الإسلام ومدير مخابراته عبدالله السنوسي وذلك استناداً إلى أدلة دامغة كما قال تثبت تورطهم في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
 
بهذه السياسة التدميرية يبدو الناتو وكأنه يتماهى ويتقاطع مع سياسة التدمير التي تتبعها قوات القذافي في حربها ضد المتمردين على نظامه، مع فارق أن القذافي يعلنها جهاراً نهاراً انه سينفذ ذلك بسياسة الأرض المحروقة .. من بيت لبيت ومن زنقة لزنقة، بينما يعلن الناتو انه بقصفه لليبيا إنما جاء ليحمي السكان المدنيين. وهذا ما يصعب تصديقه، فعمليات القصف اليومية مكلفة، والناتو ليس جمعية خيرية أو مؤسسة للأعمال الخيرية كي يتفرغ ويفرغ إمكاناته العسكرية والمالية لنجدة الشعب الليبي، فلابد من ثمن سوف يطلبه، وربما طلبه وحصل عليه من المجلس الوطني الانتقالي، السلطة الجديدة التي تمثل المعارضة الليبية، والثمن هو بالتأكيد الطاقات الإنتاجية الحالية للنفط والغاز الليبيين واحتياطياتهما المثبتة.
 
هي إذن ليست حرب تحرير للشعب الليبي من طغيان نظام العقيد، بقدر ما هي حرب أطلسية ذات أطماع استعمارية مهما تم تلفيقها وتغليفها بمزاعم الحنو والعطف على الشعب الليبي.