إنها سوقٌ متداخلة، تغيبُ منها البُنية الموحدة، فهي ضائعةُ الملامح، متناقضةُ الأشكال، وهذا ينعكسُ على الأجور. وغيابُ البنيةِ التوحيديةِ الإنتاجية الوطنية هي من أهم أسباب تبخر الأجور.
هناك أساسان للأجور: الأساسُ الحكومي الذي يعكسُ بنيةَ الرأسماليةِ الحكومية، ويتم هنا تحديد الرواتب والأجور بشكل عام، وتبعاً لإراديةٍ، وليس للسوق وحراكه، مما يُضفي عليه أبعاداً سياسية إدارية، وبأشكالٍ غيرِ مسيطرٍ عليها كلياً بطبيعة الحال.
الأساسُ الخاصُ وهو للرأسماليةِ الخاصة تابعٌ لبنيةِ الرأسمالية الفردية عموماً، وهي تضع الأجور حسب إمكاناتها وبنائها الاقتصادي وطريقة اشتغالها في السوق.
تجد ان الأجانب تتفاوت أجورُهم بشكلٍ شديدٍ بين توظيفِهم في الحكومةِ وتوظيفاتهم في الرأسماليةِ الخاصة، والتفاوتُ هائلٌ ويعكسُ التناقضات بين هيكلية الرأسماليتين.
الأجانب وهم أكثر من ثلاثمائة ألف شغيل وموظف، وبلغ متوسط الأجور في القطاع الخاص لهم مبلغ نحو 196 ديناراً، فيما كان المتوسط في الحكومة 766 ديناراً، حسب طريقة حساب هيئة تنظيم سوق العمل.
لكن المتوسط للشغيلة الأجانب وهم القاعدة أقل مما هو مبين بينما الموظفون الأجانب المميزون رواتبهم أكبر حسبما هو مرئي ومتداول صحفياً.
وتقوم هذه القوى الأساسية في قوة العمل بتحويل أكبر كمية من هذا النقد للخارج، وهو تبخرٌ للأجور ولكن بشكل مفيد لهذه القوى العاملة، وهو تبخرٌ من البلد.
الرواتب والأجور في القطاع العام سياسية ويحاول القطاعُ أن يجعلها تجارية ويقلص أسبابها السياسية ولكنه لا يقدر على ذلك، لأن الوضع السياسي هو الذي يقود، وتسديد الأجور يأتي بآثار تضخمية، واستنزافية، لأن الأجورَ لا تنتجُ سلعاً مقابلةً في كل الأحوال، فتلعبُ سلعةُ النفطِ دورَ المُسدد حسب تذبذبها.
الأجورُ في القطاع الخاص اقتصاديةٌ لأنها تُعطى مقابل إنتاج سلع وخدمات، ولكن المشكلة هنا هي عدم عودة الأجور إلى القطاع الخاص نفسه، في مجالات البيع والعقارات، ومن هنا تزدهرُ قطاعاتُ التحويل المالي.
في القطاع الخاص الأجور تظهر وتكبر لأنها تحققُ الأرباح، هنا يحدثُ تراكم مستمر، لكن البنية الصناعية للمواد الخام لا تقابلها بُنيةٌ صناعيةٌ من قبل القطاع الخاص بل هو يمتصها ليحولها للقطاعات المالية والعقارية والخدماتية وليس الإنتاجية فلا تظهر عمالة وطنية واسعة، أي لا تزدهر الأجور المحلية.
ولهذا فإن الأجورَ الوطنيةَ على المدى البعيد تتقلص وتتأزم.
يتدفق المواطنون على القطاع العام ويتدفق الأجانبُ إلى القطاع الخاص.
لكن تدفق البحرينيين على القطاع العام لم يعد مرتفعاً بل حدث التراجع والتقلص. القطاع العام لم يعد ولن يعد على الأكثر مستقبلاً يحتضن المظلة الواسعة نفسها:
في نهاية عام 2009 بلغتْ أعدادُ المواطنين في القطاع الحكومي 50 ألفاً وفي العام الذي يليه47 ألفاً، وبالتالي فإن نسبةَ التراجع تزداد. وتعكس هذه الأرقام تقلص الموارد وسياسة التقشف.
ومن أسبابِ ذلك الأعباء المالية المتفاقمة للقطاع العام، والتوجه للخصخصة، وبيع بعض المؤسسات غير ذات المردود الكبير للقطاع الخاص.
التقلص والتوجه للقطاع الخاص الممتلئ والضيق بالعمال والموظفين وبانتشار المؤسسات الصغيرة الغالبة يقللان الأجورَ، فيغدو العرضُ من الايدي العاملة أكبر، ولهذا تنحدرُ الأجور عامة.
لكن موظفي (ديوان الخدمة المدنية) يقولون غير ذلك ويذكرون أن معدلَ الأجور العامة المتوسطة للبحرينيين في ارتفاع خلال السنوات الأخيرة، فهي من 326 إلى 440 ديناراً، ولاحظ الدقة في الأرقام!
وحتى لو وافقنا على هذه الأرقام فإن راتب الخمسمائة دينار لا يستطيع أن يقوم بأي دور قوي في مواجهة ارتفاع الأسعار المرتفعة أصلاً حتى عن بقية دول المنطقة، فصغرُ حجمِ السوق البحرينية يقودُ إلى رفع الأسعار، ورفع الإيجارات للمحلات وتتحولُ الخدمات الإسكانية والكهربائية والمائية كافة لسلع مرتفعة القيمة تستنزفُ الأجر المتوسط المحدد سابقاً.
ومن جهة أخرى فإن الموارد غير محددة التوزيع والصرف وفق تخطيط مُدقق فيه. فتُهدرُ أموالٌ كثيرة كان يمكن أن تشكل خططاً اقتصادية لعمالة بحرينية كبيرة ذات أجور جيدة.
وهناك محاولةٌ لتشجيع تصاعد العمالة الوطنية عن العمالة الأجنبية خلال الفترة السابقة نفسها، ولكن الأرقام غير موجودة لهذه السنة.
تجد الرأسماليةُ الخاصة أن أجور العمال الأجانب المتبخرة من السوق تعويضاً لها في أجور المواطنين المشترين الدائمين فترفعُ الأسعار بشكل مستمر لكي توسع سوقها وأرباحها، وتجذب الأجانب الأقل أجوراً للعمل، فيما هم يضعفونها في مجال الشراء وذلك حسب القطاعات المتعددة المتضادة في بنية اقتصادية غير موحدة.
أخبار الخليج 30 يوليو 2011