المنشور

طالبان في ثوب الحمل الوديع !


ملفتة ومثيرة مسارعة حركة طالبان الأفغانية لنفي مسئوليتها عن التفجير الانتحاري الذي نفذه بعض أفرادها بسيارة مفخخة في مستشفى بإقليم “لوجان” جنوب العاصمة الأفغانية كابل.
 
وبحسب إحدى القنوات الفضائية المتخصصة في إذاعة بيانات وبث تصريحات وإجراء لقاءات مع قيادات طالبان والقاعدة، فإن الانفجار الذي وقع أواخر الشهر الماضي أسفر عن مقتل 60 شخصاً وإصابة نحو 45 آخرين معظمهم من الأطفال والنساء.
 
علماً بأن مقاتلي الحركة ينشطون في الأقاليم الجنوبية الأفغانية مثل قندهار وهلمند وأورزوجان، ويعمدون باستمرار لتنفيذ هجماتهم إما بتفجير العبوات الناسفة على جوانب الطرق وإما باستخدام القنابل البشرية المتحزمة بأحزمة ناسفة أو باستخدام الانتحاريين للسيارات المفخخة التي يقودونها باتجاه كافة رموز الدولة الأفغانية من شخصيات مسئولة إلى مؤسسات إنتاجية وخدمية وتعليمية مختلفة.
 
والمثير للسخرية أن الحركة التي سارعت لنفي مسئوليتها عن هذه المجزرة المريعة، اعتبرت أن القصد من هذا الهجوم الانتحاري على المستشفى تشويه صورة وسمعة طالبان بين سكان إقليم لوجار وفي أعين الرأي العام الأفغاني!… ولكأننا أمام عناصر تنظيم مناضل منضبطين، سجلهم ناصع لا تشوبه شائبة .. ولسنا أمام تنظيم عسكري أيديولوجي يعتمد الإرهاب الأسود، بما فيه القتل الجماعي عبر التفجيرات الانتحارية، والاغتيالات والتصفيات العشوائية والإعدامات التي تنفذ اعتماداً على محاكمات صورية لا تتوفر فيها أدنى أركان عملية التقاضي المتعارف عليها دولياً، ولأسباب تكون في الغالب من النوع المضحك المبكي.
 
وليست هناك إحصائية يمكن التيقن منها حول عدد ضحايا أعمال العنف والإرهاب التي نفذتها حركة طالبان ضد أبناء الشعب الأفغاني فقط خلال الفترة الواقعة بين انهيار حكمهم في كابل في عام 2001 إثر الغزو الأمريكي لأفغانستان على خلفية هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية وحتى اليوم. والمؤكد أن العدد مهول بهول عدد العمليات الإرهابية التي تنفذها عناصر الحركة يومياً في مناطق أفغانستان المختلفة.
 
ولعل المفارقة التالية تؤكد ممارسة الحركة للإرهاب بشتى أنواعه جنباً إلى جنب مع مقاتلة قوات الاحتلال الأطلسية لأفغانستان. فلم تكد تمضي بضعة أيام فقط على تنصل الحركة من مسئولية عملية تفجير المستشفى الإرهابية حتى قام “مجاهدو” الحركة الأشاوس بتفجير حافلة صغيرة بواسطة عبوة ناسفة كانت تقل أسرة أفغانية مكونة من أحد عشر فرداً كانت عائدة إلى ديارها من باكستان، فقُتل جميع أفراد الأسرة ومعظمهم من الأطفال والنساء. ذلك أن عودة اللاجئين الأفغان إلى ديارهم لا تخدم أهداف طالبان التي تعمل بدأب على إشاعة الفوضى والاضطراب بما في ذلك تشريد السكان من أجل إثبات فشل الحكومة الأفغانية في إشاعة الأمن والاستقرار في البلاد.
 
ومع ذلك فإنه وبرغم أساليب البطش والتنكيل التي تتبعها الحركة ضد السكان الذين لا حول لهم ولا قوة، ورغم سطحية ودوغمائية سياساتها وأنماط الحياة البدائية التي تنادي بها وتفرض تطبيقها على سكان المناطق الواقعة تحت سيطرتها، فإنه يجب الاعتراف بأنها تمكنت من الوقوف في وجه أعظم حلف عسكري في التاريخ الحديث ألا وهو حلف شمال الأطلسي (ناتو) وذلك بفضل الدعم الذي تلقاه من وراء الحدود عبر القنوات السرية والأموال الطائلة التي تجنيها من تجارة المخدرات. واليوم وبفضل هذه الثلاثية (الإرهاب وتجارة المخدرات والأموال المهربة عبر الأقنية السرية ومنها الواجهات الخيرية)، فإن حركة طالبان تسيطر على مناطق واسعة من أفغانستان، بل إنها صدَّرت نموذجها المتوحش والمتخلف إلى باكستان المجاورة فكان أن وقع الشعب الباكستاني ضحية أعمال القتل والإرهاب الدموي لطالبان باكستان.
 
لا مراء في أن النظام السياسي الذي شيده المحتل الأمريكي ومعه حلفاؤه في حلف شمال الأطلسي ونصَّبوا على رأسه رجلاً “مناسباً” للإدارة العليا للاحتلال الأطلسي لأفغانستان، ليس هو النظام الذي يمثل ويعكس مصالح كافة فئات وأطياف الشعب الأفغاني، ناهيك عن سمعته بالغة السوء في مجال الفساد، ولكن هذا لا ينهض مبرراً كافياً لإحلال حركة طالبان محله في حكم البلاد. فنظام الرئيس حامد كرزاي ليس أسوأ من النظام الذي ستقيمه حركة طالبان في حال استيلائها على السلطة من جديد، على الأقل فيما يتعلق باحترام آدمية الإنسان. وقد سبق للشعب الأفغاني أن ذاق مرارة حكم الطالبان عندما حكمت البلاد خلال الفترة من 1996 إلى 2011.
 
وعلى ذلك فإن عودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، سواء باتفاق مع الناتو أو بانهيار النظام القائم إثر انسحاب فوضوي لقوات الاحتلال الأطلسي، سوف يكون كارثة على باكستان المجاورة وعلى المنطقة بأسرها.