تؤكد التجارب جميعها ان الدول التي تتجه تحولاتها نحو الديمقراطية يأتي في سلم أولوياتها الحريات، سيادة القانون، المساواة، حقوق المرأة والطفولة والشباب، التعددية، والأوضاع المعيشية، الفساد، حقوق الإنسان والى آخره من هذه القيم الأساسية للبناء الديمقراطي. وليس خافياً على احد ان البحرين عبر مشروعها الإصلاحي أسست قاعدة لا بأس بها من النظم القانونية وان لم تكتمل بعد، الا انها فتحت الباب لتحولات سياسية وتشريعية بعد ان كانت الأوضاع السياسية محكومة بقانون أمن الدولة السيئ الذكر!
وإذا كانت الإصلاحات قد أفضت بنا الى الانفتاح السياسي قادنا الى فضاءات مفتوحة على الحريات وان كانت نسبية فان انجازات البحرين بعد عشر سنوات أولها يكمن في لجنة تقصي الحقائق في الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد وهي خطوة أهميتها تكشف الحقائق والكل يعلم ان هذه الخطوة حظيت باحترام الأوساط المحلية والإقليمية والدولية، وبعبارة أخرى كانت هذه الخطوة محط إشادة نظراً لحكمة جلالة الملك ولنزاهة اللجنة ونعتقد ومن بين تلك الإشادات الجمعيات السياسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر يرى «التقدمي» ان تشكيل اللجنة يكتسب أهمية خاصة كونها تأتي قبل بدء حوار التوافق الوطني لأنه يساعد على خلق مناخ ايجابي ويعزز الثقة في ان تنجم عن الحوار نتائج ايجابية كما نتمنى جميعاً، في حين يرى رأي آخر من المعارضة ان جلالة الملك عالج النقطة الرئيسية وهي استعادة الثقة وقد تكون هناك أصوات لا تتمنى ان تظهر وهي الأصوات التي لا تريد الاستقرار للبحرين.
ومن بين تلك الانجازات «حوار التوافق الوطني» الذي برهنت البحرين من خلاله انها تسير وبإصرار على تجاوز أزمتها السياسية وهذا بالطبع يحسب لصالح البحرين ولمشروعها الإصلاحي. وباختصار شديد كما اشرنا سلفاً ان القضية التي تشغل البال هي نتائج الحوار اي التوافقات الوطنية التي ما لم تراجع كل ما انجزناه من إصلاحات مراجعة شفافة وهي مسألة محورية فان تجنبنا لتحديات المشروع الإصلاحي قد تكون صعبة خاصة بعد الأحداث الأخيرة المؤسفة، وبالتالي كم هي الحاجة لمثل هذه المراجعة ليس لنزع فتيل الاحتقان والتوتر فحسب بل لتعزيز الأرضية التي ينطلق منها الإصلاحات المستمدة مضامينها من ميثاق العمل الوطني وبشكل واضح كلما انتقدنا أخطاءنا وقصورنا حرصاً على الإصلاحات كلما دفعنا بالتحولات وبالمشروع نحو الأمام وهذا ما تركز عليه القيادة السياسية في البلاد.
اذن لا يمكن للحوار او اي حوار يثمر من دون توافقات لإجراء متغيرات ديمقراطية تمس كافة جوانب الحياة السياسية والمدنية. وهذا في الحقيقة يتطلب ترسيخاً للاولويات او بالأحرى القيم السياسية التي ذكرناها سلفاً للبناء الديمقراطي ويتطلب ايضاً المكاشفة والمصارحة لان اخطر ما في الامر ان يتحول الحوار الى منتدى تتصدره الشعارات والتمنيات والرغبات والخطب السياسية الرنانة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، في حين كل الانظار تتجه الى البحرين التي لا يمكن ان تتوطد انجازاتها الا في ظل السلطة المدنية العصرية. وبتعبير آخر في ظل الدولة المدنية الحاضنة للديمقراطية وحقوق الانسان ومبادئ وقيم الحداثة والتحديث. ولا يفوتنا هنا ان ثالث الانجازات تتمثل في تشكيل وزارة لحقوق الانسان وهذا ان دل على شيء، فإنه يدل ان التوجهات الحكومية بشأن حقوق الانسان ستحكمها استراتيجية اكثر التزاماً بالمواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بتلك الحقوق التي اكد عليها الاعلان الدولي لحقوق الانسان في مادته الاولى «يولد الناس ويعيشون احراراً، متساوين في الحقوق والفوارق الاجتماعية لا يمكن ان تبنى الا على اساس المنفعة المشتركة» على العموم هذه هي انجازات البحرين وهي انجازات لا يستهان او يستخف بها وطالما نحن نعيش في مجتمع انتقالي فلابد من مواجهة ما يعيق نمو هذا المجتمع ديمقراطياً هذا ما يجب التوافق عليه.
الأيام 9 يوليو 2011