لم يعد موضع شك ولا محل خلاف بان حوار التوافق الوطني المنعقد حاليا تحت شعار «البحرين تجمعنا» هو الطريق الصحيح للخروج من الأزمة الجاثمة على صدور الوطن والمواطن وبالتالي كم كان جلالة الملك صائبا عندما دعا إلى هذا الحوار الذي يأمل الجميع ان يفتح الطريق لرأب الصدع وتضميد الجراح والحفاظ على تماسك وحدتنا الوطنية والمضي قدما في استكمال العملية الإصلاحية نحو آفاق واسعة رحبة.
هناك مرئيات كثيرة ستطرح في هذا الحوار وهناك آمال وتطلعات المواطنين في ان تفعل كل المحاور بغية المزيد من المكاسب السياسية والدستورية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان نتجاهل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد وأشير هنا الى الاحتقان الطائفي ولن نعالج هذا المرض المتفشي على نطاق واسع الا بوحدتنا الوطنية وإشاعة ثقافة التعايش وحماية الحقوق المتساوية بين كافة المواطنين.
ان الأحداث المؤسفة التي شهدتها البحرين في الأشهر القليلة الماضية لا يمكن تجاوز آلامها وأثارها بالتصعيد والشحن الطائفي او ما تدفعه المصالح العقائدية والسياسية وإنما بالحوار الموضوعي العقلاني البناء الذي أكد عليه جلالة الملك قائلا «ان حوارنا الوطني سيكتب فصلا جديدا من تاريخ العمل الوطني بغية الوصول الى توافقات وطنية تحقق آمال الجميع « وقال ايضا «في حوار التوافق الوطني لا مكان لكاسب هنا على حساب خاسر هناك، بل بتوافقكم تكسب البحرين» ومن هنا تأتي أهمية حوار التوافق الوطني وبالتالي كيف ندفع بهذا الحوار نحو المزيد من الانجازات والمكاسب التي تدعم المصالح الوطنية العليا للبلاد وحقوق وواجبات المواطن؟ هذا هو السؤال الملح.
على العموم تقتضي مواجهة ما حصل في البحرين مرئيات ديمقراطية فاعلة متحررة من التبعية ومع احترامنا لكل المرئيات المشاركة ستظل رؤى القوى الديمقراطية والليبرالية وفي مقدمتها التقدمي، وعد، القومي حجر الزاوية في التصدي للدعوات الطائفية والمذهبية وكذلك للأجندة المتعارضة والمتناقضة مع توجهات الدولة المدنية ومع مساواة المرأة في الحقوق، وبالإضافة الى ذلك لا يمكن ان تسير البحرين بنجاح على طريق التطور الديمقراطي بدور تعزيز الانفتاح الذي عرفته هذه الجزيرة الصغيرة والكبيرة بشعبها وبتاريخها الحضاري الموغل في القدم، والشيء الآخر الأكثر أهمية هو منذ ان دشن ميثاق العمل الوطني المرحلة السياسية الجديدة قبل عشر سنوات تحققت تحولات سياسية لابد من الحفاظ عليها والعمل على تعميقها حتى تتراكم وتتجذر وبالتالي ثقتنا كبيرة في التيار الوطني الديمقراطي في الدفاع عن مجمل الانجازات والمكاسب خوفا من التراجعات التي يريدها البعض ونعني بذلك تلك الرؤى والأجندة المناهضة للدولة المدنية على طاولة حوار التوافق الوطني أو أي حوار لابد ان تتسع الصدور دون إقصاء أو تخوين أو مزايدات سياسية طالما الهدف واحد وهو ان نغلب كفة الوطن الذي يتسع لكل أبنائه، هذا ما يجب الرهان عليه لان البحرين وطن للجميع وبالتالي فالولاء لهذا الوطن في قمة الولاءات أو كما يقول الأستاذ «إسحاق الشيخ» في مقالته «نحو حوار متقدم لا متخلف» ان الوطن فوق الجميع بدون استثناء وفوق المذاهب والدين والطائفة والمرجعية ولا ولاية لفقيه أو مرجعية دينية فوق ولاية ومرجعية الوطن والمساواة في المواطنة ولا يمكن الحديث عن نجاح حوار أو سد الثغور الطائفية والمذهبية داخل الوطن وخارجه الا بالأخذ بروح العصر».
صحيح ان الحوار ربما تشوبه بعض الصعاب خصوصا في ظروف واقعنا السياسي الحالي، وهنا تبرز أهمية تهيئة الأجواء وتهدئة النفوس ووقف التصعيد وكل مظاهر الروح الطائفي وتخطي الرغبات العقائدية المتعصبة، ومع ذلك لا ينبغي منا ان نشكك في الحوار سلفا أو نصدر أحكاما مسبقة.
اذن نحن معنيون جميعا بان يتخطى الحوار كل الصعاب والتحديات ليرسم طريق التوافق الوطني الذي يحدد حاضر ومستقبل البحرين ضمن مسار التحديث الأكثر تعبيراً عن الدولة المدنية دولة المؤسسات والقانون وعن حقوق الأفراد والجماعات والمرأة.
وباختصار شديد كل الآمال معقودة على توافقنا الوطني حول العديد من القضايا الجوهرية لا تتعلق فقط بتوسيع قاعدة التحولات السياسية وإنما أيضا بالحقوق الأخرى شديدة الصلة بأوضاع المواطن المعيشية وبواجباته تجاه ما تقتضيه مصالح الوطن وبالتالي ليكن حوارنا – وان اختلفنا – من اجل الوطن الذي هو أمانة في أعناقنا جميعا.
الأيام 2 يوليو 2011