«اليوم ينبغي أن تتضافر الجهود كي تقتلع الأشواك من طريق السائرين نحو تلك الحلبة».
الحلبة المقصودة هنا هي حلبة الحوار الوطني المزمع له أن يبدأ في الثاني من شهر يوليو/ تموز المقبل. العبارة المذكورة وردت في سياق مقال لرئيس التحرير الأخ عبيدلي العبيدلي المنشور في عدد يوم الأحد 12 يونيو/ حزيران 2011. بعد قراءتي للمقال كتبت للأخ عبيدلي طالباً منه أن يعدد لي الأشواك المطلوب أن تتضافر الجهود من أجل اقتلاعها من طريق السائرين نحو تلك الحلبة، لكن حتى هذه اللحظة لم أحصل على رده.
أخشى أن أتحدث عن هذه الأشواك التي أراها أنها هي المعرقل لأي حوار ناجح مرتجي، بل هي أشواك تعرقل وتعوق حتى بداية قد تؤسس لنتيجة وطنية للحوار المزمع، تلك الخشية تنبع من قول البعض إن الحديث في ذلك يعد شروطاً مسبقة للحوار.
بالرغم من ذلك وفي إطار الحوار المجتمعي اللازم أجد لزاماً علينا جميعاً أن نتحدث عن متطلبات الحوار الناجح الذي يأمله المواطن، ذلك لا يعني وضع شروط مسبقة كما يحلو للبعض أن يسمي تلك المتطلبات.
عندما شرعت في بناء بيتي المتواضع قبل عشرين عاماً، لم آت بالرمل والأسمنت والعمال لأطلب منهم البدء في البناء. كي تبني بيتاً أو منشأة لا بد لك من القيام بالكثير من الأعمال التمهيدية من رسم للخرائط واستخراج الرخص اللازمة وحساب التكاليف والبدء في وضع الأساسات.
الطالب كي ينجح لابد له من أن تكون هناك متطلبات للنجاح، وبدون تلك المتطلبات يكون مصيره الفشل وإن نجح فإن نجاحه محدود غير مبني على أساس قوي، أما إذا أراد الطالب أن يضيف إلى نجاحه تفوقاً وأن يكون اسمه في لائحة الشرف وينال التخصص الجامعي الذي يرغب فيه، فإن لذلك متطلبات خاصة، فإن لم يلبها الراغب في التفوق فإنه لن ينال هذا التفوق بدون تلبية تلك المتطلبات. من هنا نقول إن متطلبات الحوار الوطني الناجح هي ليست شروطاً مسبقة، بل هي متطلبات وتهيئة للوصول إلى النجاح، ومن دون هذه التهيئة فإننا نشك في وصول المتحاورين للنجاح.
صحيح أننا اليوم وقبل اليوم بكثير نحن في أمس الحاجة للحوار، وصحيح أن الوقت يضيق بنا، الأيام معدودة على أصابع اليدين، لكننا في حاجة إلى حوار يحمل الأمل ومعه بذور النجاح، لأن الإخفاق في الحوار هو أخطر من عدم الحوار الآن.
فليسمح لي من يسمي متطلبات نجاح الحوار شروطاً، وهي ليست كذلك أن أتحدث عن جانب من تلك المتطلبات. إن أي عمل ناجح لا يأتي صدفة، بل يأتي بالتهيئة الناجحة له التي تجعله يحمل معه أسباب النجاح.
إن متطلبات نجاح الحوار الوطني ليست مطلوبة من السلطة وحدها، كما يذهب ويتصور ذلك البعض، بل هي مطلوبة من جميع القوى المجتمعية وعلى رأسها قادة الرأي العام بمختلف تنويعاتهم وأماكن فعلهم، بل هي مطلوبة حتى من المواطن العادي، وكذلك هناك متطلبات معنية بها السلطة، فدون قيام كل الأطراف بتهيئة متطلبات الحوار الوطني الناجح، فإن الشكوك تحيط بنا من كل حدب وصوب.
ما دامت السلطة وقوى المجتمع وفي مقدمتها القوى السياسية الفاعلة قد أقرت الحاجة للحوار الوطني، فإن ذلك يعني أن الجميع يقر أن هناك ثمة أزمة وطنية لها مسبباتها وأسبابها. على الجميع قوى سياسية ومجتمعية وسلطة أن تعي تلك الأسباب جيدا ودون تعنت ودون عدوانية من طرف تجاه الآخر، ودون اتهامات بالعمالة. إن أولى متطلبات التهيئة للحوار الوطني الناجح هو وقف مسلسل حفلات الزار الطائفية البغيضة التي نصبت لها خيام الاحتفال عبر الإعلام الرسمي وغير الرسمي، ووقف كل الحملات بمختلف أشكالها وأنواعها التي ترافقت مع تلك الحملات.
ليس المطلوب التهاون في الأمن وترك الحبل على الغارب، لكن التفكير في الحلول الأمنية القاسية وتغليبها على الحلول السياسية، ذلك ليس من متطلبات التهيئة لحوار وطني ناجح، وبالمثل هناك الكثير من الإجراءات (التأديبية) التي تمت مثل الفصل من العمل وحرمان العائلة بكاملها من الرزق، ذلك أمر غير جائز ولا يؤسس لأرضية ناجحة لحوار وطني ناجح.
على القوى السياسية التي شاركت في أحداث الرابع عشر من فبراير ألا تجادل كثيراً في الأخطاء التي ارتكبت وألا تحاول خلق الذرائع لتلك الأخطاء.
باعتقادي أن السلطة من جانبها تدرك تماماً متطلبات الحوار الوطني الناجح، وكذلك أطراف الحوار الوطني جميعها تدرك ما هي المتطلبات التي يجب عليها تقديمها كي تدخل في حوار وطني يحمل في طياته عوامل النجاح، بيد هذه الأطراف جميعها تحقيق المتطلبات اللازمة وصولاً للنجاح وبيدها الامتناع عن تقديم تلك المتطلبات، وبذلك ندخل في حوار يحمل أسباب فشله لا سمح الله.
كي يكتمل الحمل ولا نجهض الحامل، ولكي لا ندع أن يكون المولود خديجاً، علينا تلبية متطلبات الحمل الناجح، ولكي لا نجهض الحوار، ينبغي أن تتضافر الجهود كي تقتلع الأشواك من طريق السائرين نحو تلك الحلبة، عبر تلبية متطلبات الحوار الناجح من كل الأطراف.
ذلك لا يعني وضع شروط مسبقة، فهل الأطراف المعنية قادرة على تلبية تلك المتطلبات؟ سؤال برسم الإجابة
صحيفة الوسط البحرينية – 19 يونيو 2011م