إن من أخطر تداعيات ما تم منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط الماضي وما تلا هذا التاريخ، وللأسف نقول وحتى الآن، والحبل جرار، هي تلك التداعيات الطائفية الخطيرة التي ألمَّت بمكونات الوطن وتسربت إلى النفوس. التَّداعيات التي بنت جسوراً من الانكفاء على النفس على أساس طائفي، وحالة من الشك والريبة من الآخر، بل وصل الأمر لدى البعض إلى حالة من الكراهية تجاه الآخر. لقد برزت ظواهر هي ليست من أخلاق مجتمع البحرين وأهله الطيبين المحبين لبعضهم بعضاً المتضامنين في السراء والضراء.
إن قنوات الردح الطائفي التي لا يردعها ضمير تلعب لعبتها المرسومة في زرع بذور الفتنة بين أبناء الوطن، ليس عبر السياسة والاختلاف السياسي، بل تسخير السياسة والاختلاف السياسي عبرالتعرض لعقائد الناس ومذاهبهم، وهنا منبع الخطر الذي تسببه مثل هذه القنوات.
أصبح البعض يطعن حتى في شرف نسائنا وبناتنا وبالفاظ بذيئة يندى لها الجبين، فأي أخلاقيات وأي دين أو مذهب يدعو إلى مثل هذه السلوكيات؛ فالأخلاق والدين والمذهب براء من كل ذلك، هذا لا يعدو أن يكون نوعاً من الهذيان الذي يصدر عن نفوس مريضة مشبعة بالحقد والكراهية.
أصبحنا نجد البعض يتلذذ على شاشات التلفاز بنعراته الطائفية البغيضة، وبخطابه الذي يؤدي إلى تفتيت مكونات الوطن، عبر أساليب من التحريض الذي يؤدي إلى هدم الوطن.
حفلات الزار الأسوأ هي التي تتم على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يوحي أننا مخترقون أخلاقيّاً وفكريّاً وسلوكيّاً وبما يؤدي إلى تفتيتنا وتنازعنا وكرهنا لبعضنا بعضاً، هذا يشعرنا أن هناك أيادي خبيثة تتلاعب بنا وصولاً منها لتحقيق أهدافها.
إن ما يحز في النفس هو بعض الأقلام التي تتحمل مسئولية أخلاقية ووطنية في حماية مكونات الوطن ووحدة أبنائه، نجدها تنفخ فيما يزيد من النعرات وما يصب الزيت على النار لتزداد اشتعالاً، نجدها لا تدعو إلى المحاسبة، بل تدعو إلى الانتقام. هذا دعك عن بعض البرامج الرسمية التي تبث عبر الإعلام الرسمي، هذه البرامج التي لعبت وتلعب دوراً سلبيّاً، وبما يؤدي إلى مزيد من التفتيت لمكونات الوطن. إن أكبر ما يحزن في هذه الأقلام أن ما تأتي به هو خلاف التوقعات منها، فهي مناقضة في أحيانٍ كثيرة لنشأتها وتربيتها.
المطلوب من الكتاب والأدباء والمثقفين والإعلاميين المحبين لوطنهم ولأهلهم بناء جسور الثقة والمحبة بدلاً من الرقص في حفلات طائفية بغيضة.
فلنكن على يقين تام بأن الطائفية الرابح فيها خاسر والخاسر الأكبر فيها هو الوطن، فكيف لوطن أن يكون رابحاً وأهله ومواطنوه متنازعون شغلهم منازعة بعضهم بعضاً وكره بعضهم بعضاً. بالطائفية نحن نهدم الوطن بوعي منا أو من دون وعي.
إنه من المؤسف أن نصبح بحاجة إلى الدعوة إلى دور فاعل من الفنانين والأدباء وأصحاب الرأي وطلائع المجتمع، تلك الفئات المعنية بترسيخ المواطنة والحد من أي وباء طائفي. إنه من المؤلم أن تصبح بعض تلك الفئات عاملاً من عوامل التحريض والفرقة الطائفية، في الوقت الذي كان يؤمل منها نقيض ذلك تماماً، بل وجدناها تصبح طرفاً في الخطابات الطائفية المقيتة، وإن كان بعضها يعمل بشكل مغلَّف.
إنه لمعاجة تفشي الوباء الطائفي ووقف حفلات الزار الطائفية، نحن بحاجة إلى معاجة قضايا الوطن بعدالة، نحن بحاجة إلى التوجيه نحو خلق المواطنة المبنية على الولاء للوطن بدلاً من الولاء للطائفة والمرجعية الدينية للطائفة، تلك المرجعية التي أصبحت تتزعم العمل السياسي من منظور الطائفة.
ونحن على أبواب الحوار الوطني المزمع، فإن أول متطلباته وعلى نحو ملحٍّ وعاجل هو توقف جميع حفلات الزار الطائفية التي تقام هنا وهناك، تلك الحفلات التي تتناقض تماماً مع دعوة الحوار الوطني، بل تضع العراقيل أمامه. المطلوب بداية من أصحاب الأقلام، التي توجه الرأي العام، أن تراجع نفسها مراجعة وطنية صادقة، أما الإعلام الرسمي فهو مسئولية الدولة التي يقع على عاتقها مراجعة خطابها وبرامجها الإعلامية وبما يساهم في الدفع الإيجابي نحو البناء الوطني للحوار الوطني.
فهل نحن على قدر المسئولية؟ هل نحن قادرون على محاربة أمراضنا الداخلية في سبيل وطن عزيز قوي بجميع أبنائه؟.
فلنعمل على زرع المحبة والوحدة بدلاً من زرع الكراهية والفرقة.
المحبة والوحدة يحميان الوطن من كل الأخطار، أما الكراهية والفرقة فهما ما يعرض الوطن للأخطار التي تهدد الجميع من دون استثناء
صحيفة الوسط البحرينية – 13 يونيو 2011م