نعود ونقول بأن الحوار الوطني لابد أن يكون حواراً.. أي أن الحوار لابد أن يكون بالأهمية التي يستحقها، وبالمنزلة التي تجعله حاجة وضرورة، وتجعل مخرجاته إشارة إلى الحكمة، والا فليؤذن لنا بالقول بأنه ان لم يكن كذلك فانه عمل عبثي بامتياز..!!
نؤكد على ذلك لأننا وجدنا بأن هناك من لا يريد لهذا الحوار ان يمضي لكي يكون حواراً. وبات واضحاً ان هناك من يسعى سراً او علانية إلى وضع العصي والافخاخ في دواليبه حتى وان كان ذلك عبر اللعب بالكلمات والمواقف الملتبسة والاسترسال في التمويهات التي لا تليق.
لسنا في وارد تحليل دوافع وحيثيات اي موقف من الحوار، او التعرض إلى محاولة طرف من هنا او هناك تعبئة الهواجس من الحوار، او من ما يقوم به «شياطين التفاصيل» الذين يريدون لسبب او لآخر ان ننجر إلى حوار لا يثمر سوى المزيد من التباينات والعقد المستعصية، ولن نتناول محاولة التشكيك المسبق في مدى جدية الحوار في البحث عن حل سياسي يحقق مطالب الشعب بكل مكوناته، او في التساؤلات التي طرحها البعض حول من يقود الحوار وحول قدرة أو عزم المقتدرين والنافذين على تنزيه مجريات الحوار لكي يمضي في الطريق المأمول، ولكننا هذه المرة نطرح تساؤلات مجرد تساؤلات ودائما هناك تساؤلات، فالوطن مرهق بالتساؤلات المقلقة على المستقبل، وهي على اي حال قليل من كثير ليس إلا:
• هل سيبعث كلام جلالة الملك في خطاب تكليفه لرئيس مجلس النواب برئاسة الحوار والمؤكد على ضرورة المشاركة الفاعلة في الحوار، والانفتاح على جميع وجهات النظر والشفافية في الطرح، وضرورة التوصل الى قواسم مشتركة، هل سيبعث هذا الكلام جرعة إضافية تبث الطمأنينة في نفوس من يثيرون الغبار حول جدوى الحوار. وهل سيجعل ذلك عقلاء السياسة على درتهم الفائقة يذهبون الى الحوار بروحية وعقلية ونيّة تخدم الهدف الوطني المنشود من الحوار.
• هل نعي بان المرحلة الأولى التي يفترض ان تمهد لأرضية الحوار الوطني الجاد والمسؤول تبدأ على الأقل من اللحظة التي نحن فيها الآن، رغم انه كان لابد ان يبدأ قبل ذلك، وعليه لابد للمعنيين الحقيقيين والاساسيين بأمر الحوار تأسيسا او نتيجة ان يسارعوا الى توفير بيئة الحوار ومناخاته ووقف هذه الأجواء غير السوية التي تصر على ان تضعنا امام رهانات متشائمة تجعل الحوار ليس فقط لا يبدأ البداية السليمة وانما تجعله ظاهرا يحمل عناوين سياسية فيما هو يستبطن استهدافات ليست ناصعة البياض..!
• هل يدرك الجميع بان الحوار لا يمكن ان يستقيم مبناه ومعناه بدون خلوص النية، وتجنب ان يكون الحوار وسيلة لمزيد من الطائفية والطوائفية السياسية التي تقسم وتفرق، وتثير المزيد من الحساسيات – وكأن ما فينا لايكفينا – وهل يدرك الجميع بان الحوار لا ينبغي ان يكون حواراً ضد فريق، او فريق يزعم الحق لنفسه وباطلا لسواه، او انه حوار بين زعماء وكتلك وطوائف او جمعيات او قوى تظن بانها الوكيل الحصري المعتمد المخول للتحدث باسم الشعب، او بين قوى سياسية تدعي انها غير طائفية، فيما هي ملحقات لهذا الفريق الطائفي او ذاك.
• هل يستوعب الجميع بان الحوار الحقيقي لا يأتي من زاوية «قل كلمتك وامش» بل لابد ان يكون حواراً مستوعباً لكل المشاعر والطموحات السياسية والوطنية، حوار لا يختلط نابل المطالب به لضرورته واهميته مع حابل المزايدين عليه لأجندات معينة او حجج اغلبها وهمي أو ذاتي أو مصلحي.
• هل يدرك من ستجمعهم طاولة الحوار بان هذا الحوار هو حوار مجتمع بكل فئاته واطيافه ومكوناته، حوار لا يعطي الفرصة لفتح ذريعة «حماية الذات» من الآخر في الوطن، ولكنه يعطي الفرصة لكي يشعر كل طرف بأنه منعتق من القيود الطائفية، واحتياج كل طرف الى الآخر، وان هناك مصلحة مشتركة من هذا الحوار.
• ما هي أسس اختيار المشاركين في الحوار، وهل ستكون هناك اختيارات من باب الترضيات، ثم إلى أي مدى سيكون للانتهازيين والطائفيين الذين بات المشهد المحلي يزخر بهم هنا وهناك بحثا عن حضور، او دور او زعامة او مصلحة وظهروا يسوقون أنفسهم باعة جائلون للوطنية، ممن وجدوا ما حدث فرصة وأي فرصة، إلى أي مدى سيكون لهؤلاء ومعهم المهيجون والمحرضون والمحنكون باستغلال العواطف والعواصف الذين أوغلوا فيما يثير الضغينة ونبذ الآخر، إلى أي مدى سيكون لهؤلاء حضور في الحوار، وهل يمكن أن يكون حضورهم مجديا ومفيدا، وهل سيترك أمر الدخول في الحوار لكل من يريد ان يوجد له موطئ قدم على طاولة الحوار، وهل وجود هؤلاء لن يؤدي بأحلامنا إلى «المقبرة».
• ثم الحوار مع من، هل بين الحكم وقوى المجتمع، ام هو حوار بين قوى المجتمع فيما بينها، ثم من هي أطراف الحوار المؤهلة والجديرة بان يكون لها موقع واعتبار في الحوار، وهل القوى والجمعيات السياسية رغم كل ما قيل في شأنها هل ستكون طرفا أساسيا في الحوار.
يبقى السؤال الأهم على ماذا سنتحاور؟ وما هي القيود والضوابط التي ستحكم الحوار، وما هي طبيعة وسقف المطالب السياسية التي يفترض النقاش حولها في الحوار، وهل ستكون إدارة الحوار فعالة كما يجب، وهل مخرجات الحوار ستشكل قفزة إصلاحية تلبي التطلعات.
حسبي ان ادعوكم ان تطرحوا المزيد من التساؤلات، او تفكروا في الإجابات وفي الحالتين مطلوب عقول سياسية كبيرة وخبيرة، ونوايا صادقة، وعمل سياسي استثنائي، باختصار مطلوب ان نتحمل المسئولية من اجل الوطن والمجتمع ومن اجل أنفسنا.